03 نوفمبر 2025

تسجيل

عـفواً.. حاول مرة أخرى

18 يوليو 2019

في قوله تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله..) دعوة إلهية لعباده ألا يستسلم أحدهم للقنوط أو اليأس، بدءاً من أعقد العمليات في حياة الإنسان وهي الإسراف في الذنوب والمعاصي وصولاً إلى أيسرها وأسهلها والمتمثلة في أعمال دنيوية قد لا تنفع ولا تضر، ومع ذلك فاليأس أو القنوط أو الاستسلام لمشاعر الإحباط، لابد أن يكون أمراً مرفوضاً وبعيداً عن قاموس الإنسان المؤمن بربه، أما غير المؤمن فهذه قصة أخرى ليس المجال ها هنا للحديث فيها وحولها.  اليأس اعتبره بعض العلماء نوعاً من أنواع الذنوب الكبيرة كما جاء في تفسير الألوسي: "نعم كونه كبيرة مما لا شك فيه، بل جاء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه أكبر الكبائر وكذا القنوط وسوء الظن".  لقد وصف الله تعالى الإنسان أنه يئوس قنوط (لا يسأمُ الإنسانُ من دعاء الخير وإن مسهُ الشر فيئوسٌ قنوط). أي أنه يسأل الله دوام الصحة والعافية وسعة الرزق وغيرها من مباهج الدنيا وزينتها، حتى إذا ما نزلت به مشكلة في صحته أو ماله أو عياله أو مصدر رزقه، أو فشل في تحقيق هدف من أهدافه الدنيوية، عاش الاكتئاب كله، ودخل في أجواء من اليأس والقنوط، وكأنه لم يذق نعمة من ذي قبل أو لم يسعد أبداً في لحظات حياته الفائتة، وكأن الذي أنعم عليه ووسع في رزقه وبارك في صحته وعياله فيما مضى، ليس هو من سيكشف السوء عنه إن دعاه. إن هذا سوء أدب بالغ مع الخالق، وسوء ظن واضح وخلل عميق في اليقين.  هل حاولت ذات مرة وشاركت في مسابقة أو عمل ما، ولم يحالفك الحظ وتنجح كما تقول العامة، بل قيلت لك عبارة (حاول مرة أخرى)؟ لا شك أن أغلبنا مر بالتجربة تلك، إنها عبارة، بقدر ما كانت مخيبة للآمال التي تكون يومها قد وضعتها لنفسك، فإنها بالقدر نفسه تدعوك إلى قيمة حياتية راقية، لابد أن يضعها المرء منا نصب عينيه، ويحفظها في حياته لأجل تحقيق أهدافه الحياتية المتنوعة.. تلك الأهداف التي تنتابنا حالات من اليأس أحياناً كثيرة بسبب عدم التوفيق في تحقيقها وإنجازها بالشكل أو الصورة المطلوبة المرغوبة.  تلك العبارة أجدها بمثابة شرارة أو فرصة جديدة للبدء مرة أخرى في رحلة تحقيق الهدف الذي لم يتم الوصول إليه، وفرصة لدعم النفس نحو عدم اليأس، فإنه عدو خطير خفي، يهدم الكثير مما تم بناؤه سابقاً.   العبارة بشكل مختصر تدعوك إلى عدم القنوط أبداً أو ترك ثغرة يمكن أن ينفذ منها اليأس إلى نفسك، بل حاول المرة تلو الأخرى في تحقيق ما تصبو إليه.. هذه خلاصة الموضوع نقولها الآن والمقال لم ينته بعد، لكن لا يمنع أن تقرأ تفاصيل الموضوع إن شئت.. ◄  مواجهة اليأس.. من عوامل النجاح نبي الله نوح - عليه السلام - أبرز مثال بشري يمكن أن نستشهد به دوماً في عدم اليأس وأهمية بذل الأسباب الممكنة لتحقيق الأهداف، والتذكير بما كان عليه نوح – عليه السلام – الذي ظل يدعو قومه أكثر من تسعة قرون دون نتيجة تذكر، مقارنة بمدة الدعوة، حيث لم يؤمن بدعوته أكثر من خمسة عشر إنساناً طوال تلك الفترة الطويلة!  رسولنا الكريم عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام، نموذج جميل في هذا الموضوع أيضاً، فهو- صلى الله عليه وسلم - لم ييأس من دعوة الناس إلى الإسلام، بعد أن واجهه علية القوم في مكة بالعند والسباب والأذى، فبدأ يذهب إلى قبيلة هنا وقبيلة هناك، لعله يجد آذاناً صاغية وعقولاً واعية. لكنه - صلى الله عليه وسلم - لم يجد سوى آذان صمّ وقلوب غُلف.. فهل أصابه اليأس؟ بالطبع لم ييأس وكان ما كان من أمر الهجرة إلى المدينة، فإن البيئة المحيطة أحياناً ربما تكون أحد أسباب عدم التوفيق والنجاح، فكان الأمر بالهجرة وتغيير الموقع وطلب النصرة من الأنصار الكرام، وبقية قصة ظهور وانتشار الإسلام المعروفة..  مما قيل في هذا المجال أيضاً، محاولات العالم الأمريكي المعروف أديسون، وعدم الاستسلام لليأس من بعد أن جرب تسعة وتسعين اختباراً لأجل اختراع مصباح كهربائي. إذ كان الفشل نصيبه في كل مرة حتى كانت المحاولة المائة، التي نجحت من بعد أن درس كل أسباب الفشل السابقة، وظل يحاول ولم ييأس إلى أن توصل للحل الصحيح، فكان المصباح الكهربائي العظيم.. ولو أنه استسلم لليأس والفشل من المحاولة الأولى أو حتى العاشرة، لم يكن لينال شرف هذا الاختراع الإنساني الرائع. ◄  اليأس حالة نفسية  اليأس مشكلة كثيرين، حيث يتورط المرء فيه منذ فشل المحاولات الأولى في أي عمل، وللأسف أن البيئة المحيطة أحياناً كثيرة – كما أسلفنا - تساعد على بث روح الإحباط واليأس، حين لا تجد عوناً ومعيناً وباعثاً وداعماً على الاستمرار، إذ ما إن تفشل في عمل ما حتى تبدأ سهام الشماتة والسخرية والاستهزاء تنهال عليك من كل حدب وصوب، بدل الدعم والتشجيع والتحفيز، حتى تبدأ تدريجياً بالدخول في أجواء اليأس والإحباط.  لهذا، وإعادة لخلاصة الموضوع، أقول: حاول أن تكون أنت من يدعم نفسه ويشجعها على المضي قدماً في طريق الأنبياء والمرسلين والعظام من البشر.. لا تيأس ولا تركن إلى ايحاءات النفس السلبية الداعية، بعد عدد من المحاولات الفاشلة، إلى الركون والاستسلام في مدرسة الحياة. ولو أن كل أولئك العظام من البشر استسلموا، لما كان هناك دينٌ أو علم ٌ أو فكرة جميلة أو اختراع صالح للبلاد والعباد.. وفي القرآن الكريم تتوزع في سور كثيرة آيات التحفيز وعدم اليأس، ما يعطي المرء دفعة وشحنة معنوية، نجد واحدة منها في وصية نبي الله يعقوب - عليه السلام - لبنيه وهو يحثهم لمعاودة البحث عن أخيهم يوسف، وعدم اليأس (ولا تيأسوا من رَوْح الله إنه لا ييأسُ من رَوح الله إلا القوم الكافرون). حتى كان اللقاء الجميل للعائلة، واجتماع يعقوب وبنيه بيوسف عليه وعلى آبائه ونبينا الكريم، أفضل الصلاة وأزكى السلام.            [email protected]