31 أكتوبر 2025

تسجيل

لأي عيد نفرح؟

18 يوليو 2015

يفترض أن تكون الأعياد هي أكثر أيام العرب فرحاً، وليس الفرح فيها وحدها، لكن عاقلا لا يجادل أن واقعنا لم يعد يحمل لنا فرحاً، لا في عيد، ولا في غيره من بقية أيام الله ممّا كان يسمى يوماً بربيع عربي، وتبقى المعايدة مؤنسة لكل حي، فكل عام وحال أمتنا أكثر أمنا واستقرارا، وأقل ظلماً واقتتالاً! وعند حلول كل عيد، يجيش في النفوس: هل من بصيص أمل في الخروج من النفق التي وضعت الأمة العربية نفسها فيه مذ قدّر لها أن تستقلّ عن الوصايات الخارجية في النصف الأخير من القرن العشرين؟سنوات ونحن نعيش أزمة تتلوها أخرى، ومن بلد عربي إلى آخر تكثر الجراح، وتتعمق المآسي، ويجتاح اليأس قلوب الملايين من الشباب الذين لا يجدون أملا يلوح في الأفق، فيقنط بعضهم مستسلماً لليأس، ويطلب بعضهم الهجرة ولم تطلبه هي، فيقضي ليله ونهاره يسعى في طلبها، أملا في غدٍ أفضل من حاضر غير آمن ومستقبل غير مطمئن، في حين قلة من هؤلاء الشباب ونتيجة عوامل عديدة معقدة ومركبة يقع فريسة العنف والتطرف، ويظن أن ضالته هي في سلوك جماعات العنف الديني فيصبح حربا مدمرا على نفسه وأهله ومجتمعه والوطن الذي احتضنه.. مأساة نعي تماما كيف نصنعها، لكن أحداً غير مستعد على وضع نهاية لها أو التحكم بمسارها. وباستثناء دول الخليج – والاستثناء لا اعتبار له أمام القاعدة - التي تحتل بلادها مرتبة عالية في قياس معدلات السعادة، فإن الغالبية الساحقة من بلاد عرب، شرقت أو غربت، لن تجد فيها الحال بأحسن مما تركت في حين أن العالم من حولنا يتغير، وتغيره قد لا يكون لصالحنا إذا بقينا على هذا النمط من التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية. وها هي بعض دول الجوار تتلمس طريقها إلى الريادة والسيطرة وامتلاك زمام أمورها بعيدا عن وصية مستعمر كما هو حال تركيا أو إيران ما بعد الاتفاق النووي مع الغرب وإن اختلفنا في تقييم تداعيات التفاهم مع الغرب على الداخل الإيراني من ناحية وتعاطيها مع قضايا المنطقة من ناحية أخرى، فلا شك أن إيران حققت مكسباً لا ينكره إلا مكابر. مع هذا التغيير، تحولت العلاقة بين إيران والغرب من صراع ثابت وتناحر دائم إلى تحالف ممكن. ومبررات التحالف وشروطه ودواعيه قائمة للطرفين، ولا يملك أي منهما ترف التعالي عليه وهو التطرف السني المتمثل في القاعدة وداعش وفق تصنيفات العرب قبل غيرهم. وفي الوقت الذي يرغب فيه الغرب في التعامل مع عدو واحد عاقل، يمسك بخيوط اللعبة، ومستعدّ لأن يكون فاعلا في ترتيب المنطقة (والمقصود إيران طبعاً)، يرى في العالم العربي دولاً متناثرة متناحرة فيما بينها، أو أن أغلب نظمها فاقد للشرعية الحقيقية، بعيدا عن سياط الأمن وأبواق الإعلام المسخر بعناية للتسبيح بحمد الحاكم وأفعاله. ولم يتورع الغرب الأمريكي عن اتهام حلفائه العرب بالوقوف وراء ظاهرة داعش في سوريا، ويذكر الجميع كيف وجّه جوي بايدن نائب الرئيس باراك أوباما سهام الاتهام لدول عربية بعينها، لقد كانت اتهاماته قاسية وعسرة الهضم على دوائر صنع القرار في هذه البلدان.يوما بعد يوم يثبت العقل الأمريكي الذي يقود العالم الغربي دون منازع أنه شديد البراغماتية، ولا يعرف المصالح الدائمة أو المواقف الثابتة، وأن سياساته الثابتة هي عدم الثبات في صنع التحالفات وتصنيف الخصوم. ومن كان يعول يوما على الموقف الغربي في الصراعات الداخلية كان مخطئا تماما لاسيَّما منظمات حقوق الإنسان التي راهنت بسذاجة على تقديم الغرب لقيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية على مصالحها في العالم غير المتقدم. سيبقى العرب في دوامة العنف والاستنزاف للخيرات والطاقات ما لم تكن هناك سياسات مغايرة جذرياً لما تطبّعت به السياسات العربية منذ بزوغ الدولة الوطنية. فشلت أغلب المشاريع السياسية (قومية، يسارية، وإسلامية) في تحقيق طموحات المواطن العربي لأنها كانت توجهات أيديولوجية غارقة في التنظير والطهورية ومتعالية على المجتمع وأحزابه. وقد سلمت ركابها لشاغلي الثكنات في كثير من بلداننا، فأضحى حالنا على ما نحن عليه.