19 سبتمبر 2025
تسجيليشكل الاتفاق النووي بين إيران والغرب محطة مفصلية في تاريخ المنطقة كما في تاريخ العلاقة بين إيران والغرب.ومع أن ردود الفعل الأولية لا تعكس المواقف الفعلية للدول والقوى المعنية غير أن الاتفاق سيترك حتما أثره على التوازنات في الشرق الأوسط والعالم العربي كون إيران جزءا من فضاء هذه المنطقة ولاعبا مركزيا فيه.وحين تكون الولايات المتحدة هي القوة المقابلة لإيران، وهي القوة العظمى الأولى في العالم، فلينتظر الجميع ألا تكون مرحلة ما بعد الاتفاق مشابهة لما قبله.الاتفاق الذي يضمن، وفقا للغرب، منع إيران من امتلاك قنبلة نووية وهذا مطلب إسرائيلي مركزي، فإنه أبعد من مجرد قضية تتصل بالبرنامج النووي ليشمل أيضاً ملفات سياسية واقتصادية إقليمية ودولية.إذ إن إيران هي قوة نفطية وغاز طبيعي أساسي في العالم وهو عنصر يقع في أساس معظم النزاعات في العالم ولاسيَّما في الشرق الأوسط. وما كانت عليه أساليب التواصل بين واشنطن وطهران من قبل فسيكون الآن مفتوحا من دون رتوش وحواجز. وهذا في عالم الدبلوماسية يكسر حواجز نفسية في انتظار ترجمته إلى وقائع وتوازنات جديدة. لذا لابد أن يكون للاتفاق تأثيره الإيجابي على معظم الملفات الإقليمية من سوريا والعراق إلى اليمن ولبنان أي حيث لإيران دور مباشر وقوي.في خضم هذه الصورة يقفز إلى الذهن مباشرة موقع تركيا من هذا الاتفاق. ذلك أن تركيا كانت البلد الأول الذي عمل ولاسيَّما في العامين 2009 و2010 على التوسط بين إيران والغرب واستضافت المفاوضات بينهما بل كان لتركيا دور مهم في إقناع إيران بالموافقة على تبادل تخصيب اليورانيوم خارج إيران وفي تركيا فيما عرف بـ"إعلان طهران" الذي شارك فيه رجب طيب أردوغان كما الرئيس البرازيلي لولا دو سيلفا.لكن رياح التطورات عصفت بالمنطقة وتحولت تركيا من شريك وصديق لإيران إلى رأس حربة ضدها في الصراعات الإقليمية في سوريا كما العراق وفي لبنان كما في غيرها من الأماكن بل انتقدت تركيا إيران بقسوة على دورها في اليمن.هذه التطورات جعلت من تركيا لاعبا غير موثوق لدى طهران فكان استبعادها من أن تكون طرفا في أي مفاوضات نووية.اليوم تنظر تركيا إلى المشهد الدولي في فيينا فلا تجد نفسها فيه وهذا كاف لإدراك مدى الحزن الذي يلف أنقرة بغيابها عن هذا "العرس" النووي. وهو ما يثير بتقديرنا قلق أنقرة من النتائج السياسية للاتفاق على المصالح الإيرانية. إذ إن دخول إيران على خط السير على طريق المنطقة – واشنطن والغرب يعني أن الولايات المتحدة ستقلل اعتمادها على تركيا في العديد من القضايا والمحطات رغم أنها عضو في حلف شمال الأطلسي. بل سيزداد القلق التركي من الغرب في ظل التوتر الحالي في العلاقات بين أردوغان وبين الزعماء الغربيين وفي مقدمهم باراك أوباما. وبمقدار ما يزداد الدور الإيراني يتراجع الدور التركي.لكن على الصعيد الاقتصادي فإن تركيا يمكن أن تكون من أكبر المستفيدين من الاتفاق النووي. فرفع العقوبات عن إيران سيسمح بزيادة التبادل التجاري بين البلدين خصوصا أن تركيا لعبت دورا في خرق العقوبات الحالية في ظل غض نظر غربي عن ذلك. وهذا كان مفيدا لإيران كما لتركيا. ثم إن القرب الجغرافي لتركيا من إيران يسهل تصدير المنتجات التركية إلى السوق الإيرانية الكبيرة ولهذا أفضلية على المنتجات الغربية البعيدة. وكون تركيا الممر البري الإجباري لإيران إلى أوروبا فإن التعاون في مجال الطاقة ونقل النفط والغاز الطبيعي الإيراني عبر تركيا سيكون فرصة للبلدين.لكن لا شك أن خيارات إيران ستكون أوسع من قبل بما لا يقاس ولن تعود محكومة بالخيار التركي فقط. وهذا يتطلب من تركيا أن تكون أكثر انتباها لشروط التعاون مع إيران ما يتطلب بدوره اتباع تركيا سياسات إقليمية معادية أو غير مستفزة لإيران. وهو ما أدركه الرئيس التركي السابق عبدالله غول الذي دعا الحكومة التركية إلى اتباع سياسات شرق أوسطية أكثر واقعية تجاه مصر وليبيا ودول الخليج.