13 سبتمبر 2025

تسجيل

نبأ الخصم

18 يوليو 2014

يقول تعالى: "وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ" [ص:21]. هذه القصة عجيبة، ومثار للعجب ولهذا شوّق الله إليها بقوله (وهل أتاك) الاستفهام للتشويق. والخصم يطلق على الواحد والمتعدي اعتبارا بالمعنى. على أن من أتى البيوت من غير أبوابها، فإن فعله سبب للخوف والفزع. اذ أن داوود عليه السلام كان قد أغلق بابه، أو جعل عليه حاجبا يمنع الناس من الدخول عليه. ابن عثيمين كما أن داوود عليه السلام في أغلب أحواله لازما محرابه لخدمة ربه. "إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ" [ص:22]. وهنا ملاحظات ذكرها ابن عثيمين نوردها للفائدة :ـ الحكم بين الناس أفضل من العبادات الخاصة، لأن نفعه متعد والعبادات الخاصة نفعها قاصر.ـ أن الأنبياء يلحقهم من الطبائع البشرية ما يلحق غيرهم لقوله (فَفَزِعَ مِنْهُمْ). ـ ينبغي أن يطمّئن المفزٍِع من فزع منه بنفي سبب الفزع قبل كل شيء لقولهم: (لا تَخَفْ) ثم ذكروا القصة. ـ بيان أن هذين الخصمين قد اعتدى بعضهم على بعض، وليست المسألة كلامية أو ليس فيها عدوان. ـ أن هذين الخصمين أساءا الأدب مع داوود عليه السلام من بعض الوجوه، حيث قالا: (فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) لأن هذا قد يُولّد تهمة من أنه لن يحكم بالحق. ـ أن كل البشر يطلب الصراط السوي الذي ليس فيه ميل ولا إجحاف. ـ أنه ينبغي استعمال الأدب في الدخول على الحكام وغيرهم. ـ أنه لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق سوء أدب الخصم وفعله ما لا ينبغي. ـ كمال حلم داوود عليه السلام، فإنه ما غضب عليهما ولا انتهرهما ولا وبخهما. السعديـ جواز قول الظالم لمن ظلمه: أنت ظلمتني، أو يا ظالم، أو باغ علي."إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ" [ص:23].ـ لباقة هذين الخصمين حيث لم تثر هذه الخصومة ضغينتهما لقوله (إن هذا أخي) مع أنه قال في الأول (بغى بعضنا على بعض) لكن هذا البغي لم تُفقد به الأخوة. ـ أن هذه الخصومة غريبة، لأن أحدهما له 99 نعجة، والآخر نعجة واحدة ومع هذا طمع الأول بالثاني!. ـ أن بعض الخصوم قد يكون أقوى في المخاصمة من الآخر حتى يغلبه لقوله (وعزّني في الخطاب). ـ ينبغي أن يكون الإنسان قوي الحجة والبيان حتى تحصل له الغلبة على صاحبه، هذا إذا كان بحق، أما إذا كان بغير حق فالواجب عليه أن يخرس لينطق غيره بالحق!."قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ" ـ أن داوود عليه السلام حكم بينهما دون أن يسمع دفاع الخصم الآخر، ولعل عذره أنه أراد السرعة في إنهاء القضية ليتفرغ لما احتجب به عن الناس من عبادة الله تعالى، فخاف أن يطول النزاع والخصام فبادر بالحكم. ـ أن أكثر الشركاء يحصل من أحدهم بغي على الآخر، وهذا من الغريب!.ـ ليس جميع الخلطاء يحصل منهم البغي لقوله (كثيرا). ـ أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يحصل منهم البغي، لأن إيمانهم بالله وبالحساب وعملهم الصالح يمنعهم عن هذا، ويكون درعا بينهم وبين البغي والعدوان.ـ كلما كان الإنسان أقوى إيمانا وأكثر عملا للصالحات كان أبعد عن البغي والظلم.