18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ألقت الأجهزة الأمنية اللبنانية قبل أيام القبض على أحد المواطنين لأنه أطلق صواريخ على إسرائيل من جنوب لبنان. الموقوف ليس شاباً طائشاً، ولا مغرراً به، ولا ينتمي إلى تنظيم داعش ولا جبهة النصرة ولا هو عنصر في كتائب عز الدين القسام. هو من قرية جنوبية حدودية، تقع على مشارف سهول فلسطين وجبالها، وهو أستاذ محاضر في إحدى الجامعات، وكاتب في بعض الصحف اليومية. جريمة هذا الشخص أن الحميّة أصابته وهو يشاهد تخلي العالم عن أبناء غزة، فلم يجد وسيلة لدعم ومساندة أهل القطاع المحاصر إلا بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، معتقداً أن هذا الأمر قد يخفف الضغط والقصف عن غزة، من خلال إشغال الجيش الإسرائيلي وفتح جبهة جديدة عليه.ما أود التوقف عنده ليس التقدير الخاطئ لمطلق الصواريخ، بل في كيفية تعاطي الدولة اللبنانية مع هذه المسألة. فهي اعتبرت أن إطلاق الصواريخ جريمة يجب عُقاب المسؤول عنها. فالمقاومة لا يتم الاعتراف بها إلا من خلال صك براءة يمنحه حزب الله. فالحزب وحده من يحق له المقاومة، ولو أدى عمله إلى توريط لبنان في حرب مع إسرائيل أدت لاستشهاد المئات وجرح الآلاف وتدمير مئات آلاف المنازل كما حصل في عدوان يوليو 2006. وطالما أن مطلق الصواريخ لا ينتمي إلى حزب الله، ولم يستأذنه فيما فعل، فهذا يعني أنه مجرم يستحق السجن، وهو ما ستتكفل به الأجهزة الأمنية والقضائية. تشكل هذه الحادثة مناسبة للحديث عن مسألة تشكل نقطة جوهرية للخلاف والسجال بين اللبنانيين. فحق المقاومة مكفول في جميع بيانات الحكومية المتعاقبة، وهو حق يعتبر فريق من اللبنانيين أن مشاركتهم في الحكومة أو رفضهم لها معلق على إدراجه في البيان الوزاري. وهو ما عطل تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام القائمة لأكثر من شهر، فكان المخرج بالعبارة التالية: "التأكيد على حق المواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة". لم يسبق للبيانات الوزارية أن حددت طرفاً بعينه كوكيل حصري للمقاومة، فهو حق متاح لجميع اللبنانيين طالما أنه يستهدف تحرير الأرض ورد الاعتداء في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وهذا يعني بالمقابل أن كل عمل لا يستهدف إسرائيل لا يندرج تحت بند المقاومة، أياً كان القائم به أو الهدف من ورائه.هذا من الناحية النظرية، أما على أرض الواقع فمن الواضح أن الدولة اللبنانية منحت حزب الله وكالة عامة شاملة حصرية غير قابلة للعزل بحقه في المقاومة. وهي وكالة فرضها النظام السوري خلال وصايته على لبنان، على اعتبار أن حزب الله حليف استراتيجي، وركن من أركان محور الممانعة إلى جانب سوريا وإيران. لكن المستغرب هو أن هذه الوكالة استمرت صلاحيتها بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، تحت أنظار الدولة اللبنانية التي يُفترض أن تكون صارت في حلّ من الوصاية.لا أحد يملك إنكار فضل حزب الله على المقاومة، وعلى تطور أدائها، وإحداث نقلة نوعية في مسارها. فالعمل المقاوم بدأته الأحزاب اليسارية والإسلامية جنوب لبنان مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ولم يكن حزب الله قد تم الإعلان عن تأسيسه. المقاومة حينها لم تكن لديها رؤية ولا خطة ولا إستراتيجية ولا هدف سوى الإضرار بالجيش الإسرائيلي، الذي كان يحتل جزءاً من الأراضي اللبنانية. هذا الإضرار كان في غالب الأحيان نتائجه طفيفة على الجيش الإسرائيلي. إلى أن جاء حزب الله أواخر الثمانينيات بدعم عسكري ومالي من إيران، وتغطية سياسية وأمنية من سوريا، شرّعت حركته وحَمَت ظهره من الاستهداف الداخلي، فنقل العمل المقاوم من عمل عشوائي يفتقد البوصلة، إلى أداء منظم، لديه وحدات وفرق عسكرية محترفة ومتخصصة، وهرمية قيادية، وشبكة اتصالات خاصة، ورصد ومراقبة مستمرة للجيش الإسرائيلي أتاحت له جمع معلومات مفصلة ساعدته في مواجهاته العسكرية. كما أن أحداً لا يمكن إنكار أن هذا الأداء المقاوم المحترف كان عاملاً أساسياً في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال عام 2000. لكن هذا الفضل لا يمنح صاحبه حق احتكار المقاومة ومنع غيره من المشاركة فيها. وهو بالطبع لا يمنح حزب الله الحق في تبرير كل الأخطاء التي يرتكبها تحت ستار "المقاومة". المشكلة تعاظمت بعدما صار حزب الله يوزع الوكالة الممنوحة له على الآخرين. فأي فصيل مسلح يُمنع على الدولة اللبنانية المساس به إذا قال حزب الله إن هذا الفصيل يعمل معه في المقاومة، ولو كان من الواضح أنه لا يمت للمقاومة بصلة. في المقابل، يمنع على الآخرين التفكير في أي عمل مقاوم في مواجهة إسرائيل، إلا من خلال حزب الله وتحت غطائه، وإلا فإن الأجهزة الأمنية ستنقض عليه وتزجّه في السجن، فقط لأنه لم يأخذ الرضا من حزب الله. أوّاب المصري كاتب لبناني