19 سبتمبر 2025

تسجيل

قدواتنا

18 يوليو 2013

قال صلى الله عليه وسلم في موقف ينمّ عن مدى طهارة قلبه عليه الصلاة والسلام وسلامته من الغل والشحناء وعدم إرادته تكدر نفسه بشي من ذلك قال: "لا يُبلِغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر". ولقد فقه الصحابة هذا الأمر العظيم، فإذا بهم يحرصون على تنقية قلوبهم وسلامتها، وحين قال صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة"، فطلع رجل تنطف لحيته ماء من أثر الوضوء، فتبعه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، فبات عنده ثلاث ليال، فلم ير عنده كثير صلاة ولا صيام، فسأله الخبر، فقال له: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. بل إنه عليه الصلاة والسلام قال لصاحبه وخليفته وأفضل المؤمنين أبي بكر رضي الله عنه ذات يوم: "يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم – يعني أصحابه من أهل الصفة - لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك" فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا إخوتاه، أأغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر لك يا أخي. وسلفنا الصالح قد راعوا هذا الأمر واهتموا به أشد الاهتمام، فهذا إمام السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وقد أوذي وسجن وعذب عذاباً شديداً، لكنه بعد تلك المحنة يصفح عن كل من أساء إليه إبان سجنه فيقول لأحدهم: "أنت في حل، وكل من ذكرني في حل، إلا مبتدع، وقد جعلت أبا إسحاق في حلّ – يعني المعتصم أمير المؤمنين – رأيت الله يقول: "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" وما ينفعك أن يُعذب أخوك المسلم بسببك؟". وموقف آخر للإمام الشافعي رحمه الله بعد أن ناظره يونس الصدفي، فلما لقيه بعد ذلك أخذ بيده وقال له: "يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟!" وهذا ما حمل الصدفي على القول: "ما رأيت أعقل من الشافعي". أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد كان له موقف من أعدائه وخصومه، حيث صفح عنهم وعفا قائلاً: "لا أحب أن ينتصر لي من أحد بسبب كذبه عليّ أو ظلمه وعدوانه، فإني قد أحللت كل مسلم، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي" وذكر تلميذه ابن القيم أنه ما رأى أحدا أجمع لخصال الصفح والعفو وسلامة الصدر من ابن تيمية، وأن أحد تلاميذه بشّره بموت أكبر أعدائه الذين آذوه، فنهره ابن تيمية وغضب عليه واسترجع وقام من فوره، فعزّى أهل الميت، وقال لهم: "إني لكم مكانه".