14 سبتمبر 2025

تسجيل

النبي والمعارضة

18 يوليو 2013

لما أسس النبي – صلى الله عليه وسلم - دولة الإسلام إثر هذه الثورة النبوية التي أطاحت برؤوس الطغيان، كانت عنده معارضة تنقسم إلى ثلاث فرق، معارضة مخلصة، لا تعارض النبي وإنما تناقشه، وتستفسر منه إن كان ما يقوله وحيا أم هو رأي وحرب ومشورة، ومعارضة غير مؤمنة بالإسلام وتظهر كفرها وعداوتها، ومعارضة منافقة، تبطن له العداء وتدبر له بليل، والصنف الأول هم الذين يمكن أن نطلق عليهم الثوار الحقيقيين، يتكلمون بوعي، ويستمع النبي لقولهم وينزل على رأيهم أحيانا أو يقنعهم بوجهة نظره، أو يخبرهم بأن ما فعله كان وحيا من عند الله تعالى. أما الباقون فاتخذ النبي معهم وسائل أخرى؛ كي لا يفسدوا الدولة الوليدة التي أسست إثر ثورة جاهد فيها الرسول والصحابة جهادا كبيرا. فأما الفرقة الأولى فسنأخذ عليهم حادثة الأنصار الذين غضبوا من توزيع الغنائم، وقالوا كلاما بلغ النبي – صلى الله عليه وسلم - فلم يسكت وهب مسرعا كي يصفي قلوب الأنصار الذين آووا ونصروا ولهم فضل في الإسلام لا ينكر، ولنرَ هذا الموقف الذي يسمى في عرفنا الحديث تظاهرة، أو موقف معارض لموقف الرسول في توزيع الغنائم، فعن أنس بن مالك أن أناسا من الأنصار قالوا يا رسول الله فيما أفاء الله على رسوله من أموال هوازن فطفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يعطي رجلا من قريش المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسوله، صلى الله عليه وسلم، يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال فحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من آدم لم يدع معهم غيرهم فلما جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ما حديث بلغني عنكم فقال له فقهاؤهم أما ذوو رأينا فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رجالكم برسول الله، لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا بلى يا رسول الله قد رضينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض قال أنس إذا نصبر - رواه البخاري. ففي هذا الموقف عالج النبي موقف الأنصار بالحجة والإقناع، معترفا لهم بدورهم في الثورة على الباطل فهم الثوار الحقيقيون، وأوضح لهم القواعد التي على أساسها قسم الغنائم، ورضي القوم. ويلحظ ابن حجر أن هذا الخطاب فيه بلاغة الترتيب، فيقول: "وقد رتب صلى الله عليه وسلم - ما من الله عليهم على يده من النعم ترتيبا بالغا فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازيها شيء من أمر الدنيا وثنى بنعمة الآلفة وهي أعظم من نعمة المال لأن الأموال تبذل في تحصيلها وقد لا تحصل وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها كما تقدم في أول الهجرة فزال ذلك كله بالإسلام".