17 سبتمبر 2025

تسجيل

"الرباعية" بلا وظيفة ولا جدوى

18 يوليو 2011

الرباعية الدولية باتت هيئة عاجزة ولا جدوى منها وعديمة الفاعلية ليس عند الهيئة الرباعية الدولية ما تقوله في تطورات الملف الذي تعتبر هي مرجعيته الأولى والوحيدة، وخلال اجتماعها الأخير في واشنطن اتضح لأعضائها، أكثر من أي وقت مضى، أنها باتت هيئة عاجزة ولا جدوى منها بل عديمة الفاعلية، ورغم أنها تستمد قوتها من كونها تضم عمليا الدول الكبرى، باستثناء الصين، إلا أنها تعمل تحت السقف السياسي الأمريكي- الإسرائيلي، وبالتالي فإنها لا تستند إلى قوة القانون الدولي، لذلك تقتصر اجتهاداتها على كيفية الالتفاف على هذا القانون، أي أنها حتى يكون هناك اتفاق تام بين أطرافها لا تستطيع فرض الالتزام بتوصياتها، ورغم أنها تمثل بديلا من مجلس الأمن إلا أن المرونة المفترضة فيها لم تمكنها من تحريك المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية. لم تبرهن الرباعية منذ إنشائها أنها تعمل فعلا من أجل هدف هو السلام، أو بالأحرى إيجاد مناخ ملائم لسير المفاوضات، لكنها أدت وظيفتها في خدمة إسرائيل على أكمل وجه بدليل أنها هي التي أوجدت وساندت إسرائيل في فرض حصارها على قطاع غزة، قبل أن تعود تلك الرباعية نفسها إلى اعتبار ذلك الحصار غير شرعي، من دون أن تلزم إسرائيل برفعه، وكل ما استطاعه ممثل "الرباعية" توني بلير، المعروف بانحيازه لإسرائيل، أن يحصل على تعديل للائحة المواد المحظور دخولها إلى القطاع بما فيها بعض أنواع الخضار والفواكه والمواد الغذائية وقد اعتبر "إنجازه" هذا عظيماً استحقت عليه إسرائيل إشادة "الرباعية". كان على هذه الهيئة أن تبحث عن صيغة ما تسهل استئناف المفاوضات، بهدف استبعاد ذهاب الفلسطينيين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب التصويت على اعتراف دولي بـ"الدولة الفلسطينية في حدود 1967"، ورغم أن المجتمع الدولي بغالبيته العظمى يتفهم الموقف الفلسطيني المشترط وقف الاستيطان للعودة إلى المفاوضات، ورغم أن الرباعية نفسها طلبت مرارا وقف الاستيطان وبموافقة أمريكية، إلا أن الموقف الأمريكي – الإسرائيلي الذي استطاع بنيامين نتنياهو فرضه على واشنطن يقضي بأن يرضخ الفلسطينيون للأمر الواقع فيعودون إلى التفاوض من دون أي شرط أو أي ضمانات أو أي جدول زمني أو أي التزام بالمرجعيات القانونية الدولية للمفاوضات، وقد سايرت "الرباعية" هذا الموقف في بيان سابق، ثم أدركت أنه لم يكن مجدياً. في الاجتماع الأخير، ومع اقتراب موعد سبتمبر، أي موعد المواجهة في الأمم المتحدة، كانت هناك محاولة للخداع والتذاكي، إذ طرح الأمريكيون فكرة تأييد "الرباعية" مطلب الفلسطينيين (الدولة في حدود 1967) مع إضافة عبارة "مع تبادل للأراضي" ومقايضته بتأييد من الرباعية لحصول الإسرائيليين على اعتراف يهودية دولتهم. كان واضحاً أن هذه الصيغة مكشوفة ومتهافتة، إذ أنها تضع شرطين مسبقين على الفلسطينيين لتشجيعهم على العودة إلى التفاوض من دون الحصول على وقف الاستيطان، فمن جهة لا داعي لاشتراط تبادل الأراضي الذي يتضمن تنازلات مسبقة، وإذا كان لهذه التنازلات أن تحصل ففي سياق التفاوض نفسه. ومن جهة أخرى لا يمكن بيع "يهودية الدولة" وترويجها على هذا النحو من الخفة والاستسهال، فهذه مسألة ينبغي طرحها بأبعادها القانونية والسياسية وانعكاساتها الديموغرافية، وينبغي توضيح كل هذه الأبعاد وعدم الاكتفاء بها كمجرد عنوان أو شعار تريده إسرائيل لتبرير سياسات خفية وأخرى باتت معروفة ولابد من وضعها في ميزان القانون الدولي. وحتى "الدولة في حدود 67"، لم تعد صيغة كافية وخاضعة للحقوق التي تفترضها، صحيح أن هناك الكثير من الوثائق التي تشرح هذه الحقوق، إلا أن حرص الجانب الأمريكي-الإسرائيلي على إثبات "تبادل الأراضي" في النص، بات يتطلب إصرار الجانب الفلسطيني على أن يثبت في النص أيضا أن حدود 1967 تعني تحديدا وبلا أي لبس أن كل نشاط استيطاني داخل هذه الحدود يخضع لإرادة الفلسطينيين أولاً وأخيراً، أي لسيادة الدولة الفلسطينية المرتقبة. ذلك أن تجارب المفاوضات أثبتت على الدوام أن العناوين الكبيرة، مهما كانت حمولتها القانونية واضحة، لا تعني شيئاً إذا لم تكن المرجعية القانونية هي المحك والمعيار، وإذا كان تفسير هذه العناوين خاضعا بالضرورة لمنطق التسويات والأمر الواقع ولإرادة الدول الكبرى ولاسيَّما الولايات المتحدة الملتزمة إضفاء "شرعية" ناجزة ونهائية على كل أرض سرقتها إسرائيل واستولت عليها بالقوة والإرهاب. للمرة الأولى يواجه المجتمع الدولي، ممثلا قسرياً بـ"الرباعية" وضعاً يحاول الفلسطينيون خلاله تحريك قضيتهم حتى في الفترات التي كانوا عادة يبددونها بالانتظار والدوران في الحلقات المفرغة، ففي غياب المفاوضات بذلوا جهودا مهمة لتحسين أداء مؤسساتهم وتأهيلها للعمل كأن "الدولة" ستعلن غداً، وعلى أساس هذه الجهود يريدون أن يدفعوا مشروع دولتهم إلى الواجهة، لذلك تواجه إسرائيل في حملتها المضادة أسئلة كثيرة تتناول خصوصا دوافعها وأسباب معارضتها لـ"الدولة في حدود 67" صيغة موجودة في القرارات الدولية، وأخيرا أسباب تجاهلها تأهل المؤسسات الفلسطينية رغم أن هذا كان من أبرز شروطها ومطالبها. هذه الأسئلة مطروحة أيضا على الرباعية وبالأخص على الولايات المتحدة التي تخطو باندفاع نحو فيتو مشين لن يشجع إسرائيل على اعتماد خط واقعي حيال السلام، بل سيزيدها تطرفا وتمسكا بنهج الإجرام والإرهاب، كما أن النتيجة المباشرة لهذا الفيتو ستكون نقمة واستياء عربيين ومزيدا من العداء لأمريكا، ولاشك أن التعنت الإسرائيلي الذي عطل المفاوضات، والذي دفع أيضاً الفلسطينيين إلى اللجوء للأمم المتحدة، يطرح بدوره علامات استفهام حول "الرباعية" نفسها والأسباب المشتبهة لاستمرارها طالما أنها غدت أيضاً مشلولة وغير قادرة حتى على إصدار بيان.