12 سبتمبر 2025

تسجيل

قطر والأردن

18 يونيو 2018

يثمن الأردنيون عالياً هبة دولة قطر لمساعدة بلادهم في الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد في الفترة الأخيرة، فدولة قطر استشعرت بأن الأردن يتعرض لما هو أبعد من أزمة اقتصادية عابرة، وأن الهدف في نهاية الأمر هو تركيع الأردن لدفعه لقبول خيارات تصفوية للقضية الفلسطينية. والبيان القطري كان واضحاً، إذ امتدح مواقف الأردن في القضية الفلسطينية. وأشار إلى أن المساعدة الاقتصادية القطرية إنما تأتي من أجل تمكين الأردن. والحق إن الموقف القطري ليس مستغرباً، وجاء من دون أي محاولة لفرض أي شرط سياسي على الأردن.  لا يخفى على أحد أن الشعب الأردني هو عروبي بامتياز، ولا يقبل أن يقف إلا بخندق العرب وخلف قضاياهم العادلة، وأي متابعة حثيثة للنقاش العام في الأردن ستكشف عن واقع موقف الشعب الأردني من القضايا العربية، وعلى رأسها طبعاً قضية فلسطين وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم على ترابهم الوطني. وعلى الرغم من وجود معاهدة سلام مع إسرائيل – وهي معاهدة فرضها واقع جيوسياسي – فإن الأردنيين يعرفون جيدا أن الخطر الذي يتهدد مستقبلهم يأتي من غرب النهر، ونتيجة لسياسات إسرائيل التوسعية، لذلك هناك إجماع وطني على رفض ما يسمى بـ "صفقة القرن" وكل خطط عرابها جاريد كوشنر وحلفائه من العرب.  وعلى نحو لافت، يربط الأردنيون شح المساعدات وانعدامها وصفقة القرن، فهناك رهان عند بعض العرب بأن تجويع الأردنيين وقطع المساعدات سيدفعانهم إلى حافة الهاوية، عندها فقط يمكن فرض الصفقة، والحق إن هناك استياء عاما بين الأردنيين من هذا الربط، لأنهم ما كانوا يوما من الأيام إلا بجانب قضايا العرب من المحيط إلى الخليج. هذا التفسير "المؤامراتي" موجود وبقوة عند أطياف واسعة من الشارع الأردني، لذلك عندما هبت قطر لمساعدة الأردن اقتصادياً ومن دون فرض أي شروط سياسية شعر الأردنيون بالراحة والامتنان لدولة قطر.  لا نعرف بالضبط عن جوهر المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن مع الملك عبدالله الثاني إلا أن هذه هي الزيارة الأولى لمسؤول قطري رفيع المستوى بعد أن اضطر الأردن لمسايرة السعودية وتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر. وبالتالي هل ستعود العلاقات إلى مستوياتها الطبيعية؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الأردنيون. عند الجماهير الأردنية لم يعد مقبولا ألا تعود العلاقة إلى مجراها الطبيعي وبخاصة بعد أن هبت قطر لمساعدة الأردن دون شروط سياسية، ولأن الأردن ليس طرفاً منذ البداية بالخلاف الخليجي أو بحصار قطر.  صحيح أن السعودية والإمارات والكويت قدمت حزمة مساعدات للأردن، لكن لماذا لا نحتفظ بنفس المسافة مع جميع أطراف الأزمة؟! بتقديري إن بإمكان الأردن الحفاظ على علاقات متوازنة مع الجميع وأن ينأى بنفسه عن الأزمة أو أن يبذل جهداً لتقريب وجهات النظر. باختصار شديد، قوة الأردن من قوة العرب، ولا يخدم الأردن استمرار الأزمة الخليجية والحصار الظالم على قطر.  مرة أخرى، سيتذكر الأردنيون أن دولة محاصرة تقدمت الصفوف وقدمت مساعدات نوعية وإيجابية، ولعل بيان قطر الرسمي عن أهمية الأردن ومواقفها من القدس يبرز فهماً قطرياً ويقدم درسا في السياسة عن كيفية التعاطي مع الوضع الإقليمي المعقد، فكان بإمكان قطر التذرع بتخفيض العلاقات والاكتفاء بمشاهدة ما يجري، إلا أن الفهم الإستراتيجي العميق عند القيادة القطرية هو ما دفعها لأخذ زمام المبادرة والاتصال بالأردن بغية تمكينه لمواجهة كافة أصناف الضغوط وللاستمرار بلعب دوره بشكل يخدم القضية الفلسطينية في وقت أصبحت فيه أنظمة عربية لدول وازنة ترى فلسطين كورقة للمقايضة.