11 سبتمبر 2025
تسجيلقد يسأل الإنسان نفسه عما فعله في هذا الكون لخدمة نفسه والمجتمع الذي ينتمي إليه وبلده والإنسانية بصفة عامة. فهناك أشخاص ومؤسسات قدموا الكثير وتركوا بصماتهم في الرقي والازدهار بالمحيط الذي يعيشون فيه والناس الموجودين من حولهم. هناك ناس غيروا ظروف حياة الملايين وهناك ناس أسعدوا مئات الآلاف بابتكاراتهم وعطائهم وإنجازاتهم. هناك أشخاص غيروا مصير البشرية نحو الأفضل لتكون سعيدة وهنيئة ومتحابة ومتلاحمة. على النقيض هناك أشخاص ومؤسسات تفننوا في صناعة الحقد والكراهية والإساءة للآخرين وتعذيبهم والتنكيل بهم. فهناك ناس صنعوا التاريخ وسجلوا أسماءهم بحروف من ذهب في تاريخ البشرية. على النقيض ومع الأسف الشديد هناك ناس وأطراف وجهات تفننوا في زراعة الحقد والكراهية والعنصرية والإساءة للآخرين. السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي رسالة شارلي إيبدو والمشرفين عليها؟ ماذا يريدون تحقيقه؟ هل الاستهزاء والسخرية والنيل من ديانات ومعتقدات الآخرين يفيد في شيء؟ هل معنى حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية الفكر هو الانتقاص من قيمة الآخرين والسخرية منهم والإساءة لهم. ما هي الفائدة التي تجنيها شارلي إيبدو من المساس بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ ما الفائدة من الاستهزاء والسخرية من شخصية مثل محمد علي كلاي الأسطورة العالمية التي خلفت وراءها مبادئ ومواقف تدرس في كتب التاريخ. فالمجلة الفرنسية قد تصنف في خانة المؤسسات التي تسيء إلى الإنسانية والبشرية أكثر من أنها تقدم خدمة لمصلحة قرائها ومتتبعيها عبر العالم. فالأمر هنا يتعلق بتأجيج عواطف الناس والمساس بمشاعرهم ونشر ثقافة الحقد والعنصرية والكراهية. مع الأسف المجلة ما زالت لم تتعلم الدرس وما زالت مستمرة في غطرستها وفي تحدي القيم والمبادئ السمحاء المتعارف عليها عالميا. عادت المجلة الفرنسية شارلي إيبدو إلى سخريتها مجددا بعدما نشرت الجمعة 10 يونيو كاريكاتيرا صادما، تهكمت فيه بشكل عنصري من أسطورة الملاكمة، الراحل محمد علي كلاي. وشمل الكاريكاتير "المتهكم" مهاجم ريال مدريد الإسباني كريم بنزيمة، الذي استبعده ديديه ديشامب مدرب المنتخب الفرنسي من الـ"يورو 2016". وكان الكاريكاتير الرئيسي على غلاف المجلة الساخرة عبارة عن كاريكاتير إنسان داخل تابوت يجري في ملعب كرة ويرتدي قفازات الملاكمة وعلقت عليه جملة "ديشامب عنصري.. لم يستدع محمد علي لمنافسات يورو 2016". نشرت صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية رسما ساخرا يظهر فيه أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي داخل تابوت مع كتابة عبارة "ديشامب عنصري". الرسم الساخر أو "الكاريكاتير" يسخر من تعليق كريم بنزيمة بأن ديديي ديشامب مدرب منتخب الديوك استبعده من التشكيلة بدافع العنصرية وليس المستوى الفني. وتم نشر الرسم في يوم دفن أسطورة الملاكمة وأحد أفضل الرياضيين في التاريخ مما أدى إلى غضب عارم على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب المحتوى العنصري والتوقيت السيئ. الجدير بالذكر أن الصحيفة الفرنسية تملك تاريخا حافلا بالاستفزازات السخيفة والمنشورات العنصرية سواء الطائفية أو الدينية وأبرزها كان بنشر كاريكاتير ساخر يسيء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام عام 2011. وتم نشر الرسم في يوم تشييع جنازة أسطورة الملاكمة، محمد علي، وانطلاق منافسات يورو 2016، والتي استبعد منها بنزيمة لأسباب وصفها اللاعب بالعنصرية. وتسبب الكاريكاتير في موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتقد كثيرون طريقة تناول المجلة للموضوع بهذه الطريقة الصادمة، والتي تحمل في طياتها قدرا كبيرا من العنصرية والتعصب. وأكدت نسبة كبيرة من التعليقات أن ما تقوم به المجلة لا يتعدى الوقاحة وقلة الحياء من أجل لفت الأنظار، حتى لو كان بالهجوم على العرب والمسلمين، خاصة أنه لا علاقة بين محمد علي والمنتخب الفرنسي أو بنزيمة من أجل جمعهما في رسم ساخر، إلا إذا كان بسبب ديانتهما. يشار إلى أن مجلة "شارلي إيبدو" لها باع طويل في السخرية بطريقة عنصرية من عدة مواضيع سياسية ومتعلقة بالدين الإسلامي، بعدما نشرت كاريكاتيرات سخرت فيها من النبي محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وقضية اللاجئين السوريين بشكل فج. وتعرض مقر المجلة، مطلع العام الماضي، لهجوم تسبب في سقوط 12 قتيلا وإصابة 11 آخرين، وهي العملية التي تبناها تنظيم القاعدة. من جهة أخرى نلاحظ أن الأسطورة محمد علي وهب حياته للنضال من أجل حقوق الإنسان، ومن أجل المبادئ والقيم والأخلاق ليس في بلده فقط وإنما في العالم بأسره. خصص أمواله لنشر الإسلام في جميع ربوع العالم وهو الشخص الفقير الذي جاء من مدينة لويفيل بولاية كنتاكي ليتحدى الظلم والاستغلال والعنصرية وهو الذي رفض حرب فيتنام وضحى بالسمعة والشهرة والملايين من أجل مبادئ إنسانية راقية ترفض على لسان محمد علي الخوض في حرب ضد ناس لم يسيئوا للملاكم العالمي ولا للشعب الأمريكي. وهنا نلاحظ الفرق بين الخير والشر. مؤسسة تستهتر وتستهزئ بديانات وتقاليد وأعراف شعوب وأمم وشخص يؤسس للمحبة والإيمان والأمن والاستقرار في العالم. ما تمارسه شارلي إيبدو وتستمر في ممارسته لا يقدم أي شيء للبشرية ولأمم العالم، بل كل ما تقوم به هذه المؤسسة هو نشر ثقافة الحقد والكراهية وزرع الفتن عبر العالم باسم حرية الصحافة وحرية التعبير. ما الهدف من الإساءة إلى الأسطورة محمد علي وما الفائدة وما الإضافة للجمهور؟ وهنا نتساءل لماذا التطاول وهل هذه هي حرية الصحافة وحرية الفكر والتعبير؟ أسهم الأسطورة محمد علي في بناء أكثر من 170 مسجدا في أمريكا، وأسلم على يديه الملايين، ذلك هو الراحل محمد علي كلاي صاحب القبضة الفولاذية، والضربة القاضية، والكلمة الصادقة المؤثرة، والسجل الحافل المشرف في خدمة الإسلام والإنسانية بالدعوة الصادقة والعمل الخيِّر، فضلا عما تركه خلفه من تاريخ ومواقف بطولية جعلت منه واحدا من أكثر الرياضيين تأثيرا في العالم. سيظل محمد علي كلاي واحدًا من أهم الرياضيين وأعظم الشخصيات العالمية التي خدمت الدِّين، وقدمت للإسلام الشيء الكثير نفوذا ومساهمة وتعاملا ودعمًا ماديّا ومعنويّا ومساعدة وفكرا خلابا من خلال حواراته الصحفية ومقابلاته التلفزيونية التي لطالما استغلها للتعريف بالإسلام وسماحته... وصرح كلاي في أحد لقاءاته: "قريبًا سأصبح رجلًا متقدمًا في السن ويمكن أن يدركني الموت في أي لحظة، فالله سبحانه وتعالى جعلني أفضل رياضي وأشهر إنسان في العالم وسوف أستخدم هذه الشعبية الكبيرة التي منّ الله علي بها من أجل نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف في كل مكان وكذلك من أجل محاربة الجريمة والدعارة والكحول والمخدرات والأمراض الاجتماعية وغير ذلك". وعن تنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف والإسلاموفوبيا صرح كلاي في إحدى المناسبات: "أنا مسلم ولا يوجد شيء يمت للإسلام في قتل أناس أبرياء في باريس أو نيويورك أو لندن أو أي مكان آخر في العالم، المسلمون الحقيقيون يعرفون أن العنف الوحشي لمن يطلق عليهم (المتطرفين الإسلاميين) يتعارض مع صميم مبادئ ديننا". وعن الفرق بين الخير والشر وبين محمد علي كلاي ومجلة شارلي إيبدو الكلام يطول فالأسطورة ترك وراءه تاريخا حافلا بزرع المحبة والوئام ونشر ثقافة السلام والإسلام في العالم بأسره أما شارلي إيبدو فتفننت في زرع الحقد والكراهية والعنصرية عبر العالم باسم حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الصحافة. وأي حرية هذه؟