20 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تنص المادة 62 من الدستور اللبناني على أنه "في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء". الفقهاء القانونيون توسّعوا في تفسير هذه المادة، واعتبروا أن عدم تحديد الصلاحيات، فهذا يعني أن جميع صلاحيات الرئيس تُناط بمجلس الوزراء.المفارقة أن هذه السلطة الإضافية التي امتلكتها الحكومة اللبنانية بعد شغور سدة الرئاسة لم تنعكس إيجاباً على أدائها كما هو متوقع. فعِوض استغلال هذه السلطة، والاستفادة منها لتسيير شؤون العباد والبلاد، ومعالجة الملفات المتراكمة على طاولة مجلس الوزراء. عِوض ذلك، تسير عجلة الحكومة بوتيرة بطيئة، تتجنب التصدي للملفات الأساسية، وتحاول الالتفاف على الاستحقاقات الداهمة. فتتصرف وكأنها حكومة تقوم بتسيير الأعمال، رغم أنه (ليس لها بالقصر إلا من مبارح العصر). وهو أداء لم يعتده اللبنانيون في ظل الحكومات السابقة. فقد جرت العادة أن تبدأ الحكومات عهدها بنشاطه وحيوية وديناميكية وسرعة في إنجاز وحسم الملفات العالقة، لاسيَّما تلك المعيشية والاقتصادية التي تمس حياة العباد، حرصاً على نيل رضا المواطن. لكن يبدو أن مجلس الوزراء مجتمعاً يدرك أن تشكيل الحكومة، بالطريقة الخاطفة التي تمت بعد ممانعة وعِناد استمر أشهراً، ليس الهدف منه الإنجاز وتحقيق الانتصارات والبطولات على حساب شغور رئاسة الجمهوية. المطلوب من الحكومة – فقط لاغير- تسيير الأمور، والحفاظ على الحد الأدنى من المؤسسات الدستورية، والإبقاء على كيان يشبه الدولة، بانتظار أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.. وما ستؤول إليه أوضاع المنطقة، لاسيَّما بعد تجديد انتخاب بشار الأسد لولاية رئاسية ثالثة تنتهي عام 2021. وتيرة الحكومة السلحفاتية هذه، لاتلقَ أي احتجاج أو غضب من الطبقة السياسية، بل على العكس. فالوضع الدستوري الاستثنائي بشغور سدة الرئاسة انعكس ارتياحاً وطمأنينة وغبطة خجولة لدى البعض. ومن اللافت أن مغادرة الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا، وفشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد، أسهم في تبريد الأجواء، وتنفيس الاحتقان، والتخفيف من التشنج الذي كان قائماً في الأسابيع الأخيرة التي سبقت انتهاء ولاية الرئيس سليمان. ولعلّ هذا الارتياح يؤشر إلى حجم الاستياء الذي كان يكنّه بعض الأطراف وفي مقدمهم حزب الله من أداء الرئيس سليمان، لاسيَّما موقفه العلني المعارض لتدخل الحزب في الأزمة السورية، ودعوته المتكررة إلى أن يكون السلاح حصراً بيد الجيش اللبناني. فانعكس انتهاء ولاية سليمان ارتياحاً لدى حزب الله، بعدما تحوّل الرئيس سليمان في سنة حكمه الأخيرة إلى خصم وعدو، بعدما تجنب في سنوات رئاسته الأولى الخوض في القضايا التي يعتبرها حزب الله خطوطاً حمراً. كل ذلك، جعل شغور سدة الرئاسة مساراً يبدو طبيعياً لايزعج أحداً، وربما يكون مطلوباً للبعض. النتيجة التلقائية لهذا الارتياح أدى لانخفاض في حرارة الاتصالات والمشاورات، والجولات المكوكية بين بيروت والعواصم المؤثرة في قرار اختيار رئيس جديد للبلاد. واستُعيض عن التحركات واللقاءات بتصريحات ومواقف إعلامية، تكتفي بالمطالبة والمناشدة بالإسراع بانتخاب رئيس جديد، دون أن تتعدى ذلك إلى أي تحرك جدي وفاعل.أما مجلس النواب، الذي يُفترض أنه في جلسة انعقاد مفتوحة (طارئة) للتوصل لانتخاب رئيس جديد، فإنه يقضي أسعد أيامه في الاسترخاء والطمأنينة. فالنواب، من جهة يعتبرون أنهم أبرؤوا ذممهم أمام ناخبيهم بالمشاركة في جلسات انتخاب الرئيس، رغم إخفاقهم بتحقيق نتيجة. ومن جهة أخرى، يهللّون للتأزيم الحاصل في سدة الرئاسة، علّه يمتد إليهم، فيتم تمديد ولايتهم مرة ثانية. وهو خيار يزداد ترجيحاً كلما طال أمد شغور الرئاسة، ورغبة الأطراف الأساسيين في البلد عدم خوض أي استحقاق أو تنافس فيما بينهم، ربما يعيد خلط أوراق حرص الجميع على ترتيبها.وحده البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يقضي أيامه في بكركي ضارباً أخماساً بأسداس، بعدما استنفد كل مايملك من سلطات رعوية وكنسية، لمنع حصول الفراغ في المركز الماروني الأول في الدولة. فلا مناشداته سُمعت، ولا دعوته النواب الممتنعين عن حضور جلسات الانتخاب استُجيب لها، ولا تمنياته للزعماء المسيحيين بالتوافق وصولاً لاختيار رئيس من بينهم وجدت من يحققها. ومن الواضح أن الراغبين بالإبقاء على "الفراغ" في قصر بعبدا نجحوا في ابتزاز البطريرك. فعقدوا معه اتفاق "جنتلمان" غير مُعلن، يقضي بالتغاضي عن العثرات والأخطاء والزلاّت التي وقع فيها غبطته خلال زيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة بحماية من الجيش الإسرائيلي، ولقائه بعملاء جيش لحد من اللبنانيين ومنحهم صك براءة لعمالتهم، في مقابل تغاضيه عن شغور سدة الرئاسة، أو على الأقل التخفيف من مواقفه الغاضبة تجاه هذا الموضوع. وفي هذا السياق، يمكن إدراج صمت حزب الله المريب إزاء هذا الموضوع، رغم أن ملف عملاء الاحتلال الإسرائيلي يُعتبر من الملفات المبدئية بالنسبة للحزب.مرة جديدة يقدم السياسيون في لبنان إلى العالم نموذجاً فريداً غير مسبوق. فالقاعدة الفيزيائية تقول أن الكون لا يقبل الفراغ، بينما في لبنان، يبدو أن الجميع متمسك بالفراغ.. ويسعى إليه.