14 سبتمبر 2025
تسجيلاشتكى لي أحد الزملاء بأنه عندما يجلس مع أسرته يكون كل واحد من أولاده ممسكا جواله بيده ويحيا في عالم آخر.. فقلت له: ليس المهم أن تمنعهم من الجوال وإنما الأهم أن تمتلك مادة أكبر في نفوسهم من هذا الجوال، فلماذا لا نرفع الجودة والنوعية لما نقدمه كآباء، حتى يتشوق الأولاد لما لدينا ونكون منافسا للجوال الذي يشغل حيزا كبيرا من حياتهم. الأب الإيجابي هو من يجعل الجوالات وغيرها من الأجهزة الإلكترونية في مقام المنافس له حتى يرفع من أدائه وجودة ما يقدمه لأبنائه تبعا لذلك، وهذه الطريقة أكثر إيجابية من دخوله في صراع مع الجوالات التي قد تتقزم نفسه أمامهم، فالعيب ليس بالجوال بأي حال من الأحوال وانما العيب في طريقتنا نحن في التعامل معه، ولعل هذا الاختراع من أعظم نعم الله على البشرية، وحينما لا نستطيع إدارة التعامل مع الجوال أو غيره من التقنيات المعاصرة، لابد أن نوجد مهارات وطرق للتعامل معه بإيجابية، ونتدرب على إدارته بدلا من إلقاء اللوم عليه. من العبث أن نقول إن أجدادنا كانوا مرتاحين قبل اختراع التكنولوجيا بكل ما حملته لنا من تسهيلات حياتية، فعلى العكس تماماً، لقد كانت حياتهم ضربا من العذاب مقابل حياتنا، فلقد كان أحدهم إذا أراد الذهاب إلى الحج يجلس في الطريق ستة أشهر أو أكثر، أما الآن، فالتقنية بين أيدينا، وبدلا من أن نلومها ونتهمها بقطع علاقاتنا الاجتماعية علينا احترامها وتقديرها، وتعلم إدارتها، فهي رحمة تنزلت من رب العالمين تسهيلا منه لأمورنا، وتوفيرا للوقت والجهد، وقبل أن نبدأ برجم تلك الرحمات الربانية، علينا أن ننشغل بتطوير ذواتنا، وننشغل بتطوير قدراتنا على إدارة هذه الأمور والتفكير كيف نوظفها إيجابيا ودعويا، وكما يوظف أهل الباطل هذه التكنولوجيا لخدمتهم كان لزاما على أهل الحق بدلا من أن يشتموا التكنولوجيا وغيرها أن ينشغلوا باستغلالها وتسخيرها في خدمة الإسلام والمسلمين. في الحقيقة أجد بعض الناس قد انشغل بذلك وأبدع فيه أيما إبداع وبعضهم ليس عنده إلا الملامة، ولما نظرت إلى شخصه وجدته هكذا في حياته يقوم بإلقاء الملامة على أبنائه وعلى الجوالات وعلى وطنه، والإشكالية لو أنه دقق النظر في نفسه ولم يكن سيئا في الدنيا بمقدار السوء مع ذاته التي لا يقدرها ولا يحترمها، لربما أحدث تغيرا هائلا على صعيده الشخصي وعلى من حوله أيضا واستخدم هذه التقنيات بما يساعده على الرقي في دوره كأب مثلا أو غير ذلك ممن تقع عليهم مسؤولية البناء في هذا العالم.الأمر الذي يصبح أكثر قلقا أحيانا، عندما تجد الأب نفسه مشغول بهاتفه وعمله حتى في وقت العائلة، ثم إذا وجد فسحة من الوقت أصبح يريد من أولاده أن يتركوا ما هم فيه ويلتفتوا إليه، وهو في الحقيقة يجعل من التواصل بهذه الطريقة نوعا من فرض السلطوية، لأن الأب قد يجبر أولاده على الجلوس والحديث معه، بينما الأولاد مشغولون بما اعتادوا القيام به.ففي حين أن الفراغ متهم بأنه يقود هذا الجيل نحو الإدمان الإلكتروني إذا صح التعبير، فإن الإغراء الذي يقدمه من معلومات وخبرات وانفتاح على الحضارات الأخرى سبب في ترك الأولاد ورفضهم الجلوس إلى آبائهم، لأنهم لا يأمنون لهم من المتعة ما تأمنه الأجهزة الإلكترونية وشبكات التواصل الافتراضية لهم.التكنولوجيا تحمل لنا الكثير من الإيجابيات، وربما تحمل بعض السلبيات أيضا، وهنا يأتي دور الآباء والمربين في إدارة هذه السلبيات وتحويلها إلى إيجابيات، والاستفادة منها عن آخرها، ويجب أن نتحرى الأسباب التي تدفع الأولاد لقضاء أغلب الوقت في مطالعة الهاتف الذكي أو الإنترنت، فربما كان الفراغ كما أسلفنا وربما كان أيضا نوعا من الهروب بسبب مشاكل نفسية لابد أن يعرفها الأهل ويقومون بعلاجها قبل أن تتفاقم، ومعرفة الأسباب تقود إلى حل المشكلة بشكل علمي ممنهج بعيدا عن السلطوية والعشوائية في محاربة الظواهر الاجتماعية التي تظهر مع تسارع الحياة وتطورها.