13 سبتمبر 2025
تسجيلقال صاحبي: ليس منا من لا يخطئ ولا ينحرف عن جادة الصواب، بل إن فينا من الطباع والغرائز ما يميل بنا إلى الرشد والغي، والخير والشر، وليس كل إنسان يعرف خطأه أو يهتدي إليه وبذلك كان من حق الأخ على أخيه أن يبصره بعيبه وينصح له في أمره. قلت: نعم، وليس أدل على رقي الأمة واستقامة ضمائرها من تمسكها بحق التناصح فيما بينها، ينصح الأخ لأخيه، والجار لجاره، والأب لولده، والمعلم لتلميذه، والمسؤول لأمته.. فلا ترى حينئذ إلا حقا محترما، وفضيلة يعمل بها، وإذا خلا المجتمع من هذا الخلق، فقد انتهت الأمة. قال صاحبي: ماذا لو لم تجد النصيحة أو ينشأ عنها ما هو أكبر ضرراً؟ قلت: يتحتم عليك أن تدارس من تنصحه، حتى يستقيم حاله، وتواتى الظروف الصالحة لنصحه ووعظه، وهذا هو حد المداراة، أما أن تنقلب إلى مشجع للشر، فهذا هو التملق الذي يمقته الخلق الكريم. والنصيحة يا صاحبي، ويا معشر الشباب عموما، على مراتب.. أولاها ألا تبادر إلى تصديق ما يقال عن جارك أو صديقك، بل تتأكد من ذلك حتى تستيقنه، فإن الناس اعتادوا إشاعة السوء، فلا تصدق ما يقال ولو سمعته ممن شاهده حتى تتأكد من تثبته فيما يشاهد.. ولذلك نهانا الله عنه، واعتبره إثما: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم" الحجرات: 12. وثانية خطوات النصيحة.. أن تقدر طباع الناس وغرائزهم، وأنهم ليسوا ملائكة، فلا تطمع ألا تعثر على هفوة لأحد من اخوانك، ولكن احمل ذلك على الضعف الإنساني الذي يكاد يخلو منه أحد. بل ما أروع قوله تعالى في وصف النفس الإنسانية على حقيقتها حين يقول على لسان امرأة العزيز: "وما ابرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي" يوسف: 53. وثالثة خطوات النصيحة، يا معشر الشباب ألا تحكم عليه بالخطأ والانحراف، من وجهة نظرك وحسب، بل انظر إليه من وجهة نظر صاحبه أيضا، فقد يكون مجتهدا فيما اعتقد من رأى، متحريا الخير فيما سلك من سبيل، فلا تسارع إلى الإنكار عليه، ما دام من الممكن أن يكون له وجه من الحق. ورابعة خطوات النصيحة.. أنك إذا تأكد الخطأ والانحراف، تقدم بالنصيحة إلى من تنصحه، سراً بينك وبينه، فإن النفس الإنسانية لا تقبل أن يطلع أحد على عيبها. قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أمام جمهور من الناس يا أمير المؤمنين إنك أخطأت في كذا وكذا، وانصحك بكذا وكذا.. فقال له سيدنا علي: "إذا نصحتني فانصحني بيني وبينك، فإني لا آمن عليك ولا على نفسي، حين تنصحني علنا بين الناس". وهذا هو قول الشافعي رحمه الله: "من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه". نعم، إذا نصحت إنسانا مرة بعد مرة ولم ينتصح، وكان ممن يؤتم به، جاز لك أن تذكر الناس ما هو عليه التحذير من اتباعه، لا للتشهير به شخصيا، فإن التشهير في حالة ما لا يجوز، مهما كان الباعث عن ذلك. فإذا استوت لك هذه الخطوات، ورأيت النصيحة واجبة، كان عليك تأديتها برفق وحكمة يقول تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" النحل: 125. أما بعد، فهذا حديث النصيحة، يا شباب الربيع العربي، في وقت نحن أحوج ما يكون فيه إلى آدابها وشروطها، بعد أن كثرت الخصومات، وساءت التهم، وافرطت الأقلام والألسنة في النقد بحق وغير حق.