12 سبتمبر 2025
تسجيلأخذت تدور في حجرتها وتجلس ثم تهب واقفة، ترتمي على فراشها لعل الجسد المجهد يستريح فتحسن التفكير، قامت وهي تترنح جلست على مكتبها وأخذت ورقة وقلما وبدأت تكتب. زوجي العزيز..لم أنس أيام الماضي البائسة التي خبت فيها الابتسامة فوق الشفاه.لم أنس طلعتك مع زقزقة العصافير من طلوع الشمس حتى الغروب، طوال يوم وأنت تشقى من أجلي وأجلك.. من أجل لقمة عيش حلال نمسك بها رمقنا وندخر بعض الفتات لوليد بدأ يدب في الأحشاء.قبل أن يصرخ وليدي صرخة ارتطامه بالحياة خارج الرحم.. حملتك الطائرة مسافرا تبحث في أرض الله.. ووفقك المولى عز وجل عن زهرة تنشر عطرها على عشنا ليزيح منه بعض الهواء الآسن الذي أصبح يزكم الأنوف من رائحة الفقر.وقد كان.. ووجدت نهرا يفيض من الماء العذب السلسبيل.. الذي ارتوينا منه بعد ظمأ كاد أن يزهق الأرواح.. تدفق النهر عليك.. ومددت لنا رافد منه.. واحتجزت أمام سدك بعض مياهه.عدت بعد عام.. احتضنت وليدك.. وانقضت الأيام الجميلة كأنها دقائق وطفرت دمعة حزنا على خدك وأنت تودع طفلك وتودعني، وتودع بذور بدأت في الرحم.مرت الأعوام.. وفي العام السادس كان الله قد رزقنا بأربعة من الأولاد والبنات وأعانني الله تعالى على رعايتهم وأعانني فحفظتك في غيبتك.. وأخذت أبكي وأقول لك: كفانا ما جمعه نهرك أمام السد.توسلت إليك أن تكتفي.. وتعود.. وتخلع ثياب الغربة والسفر.. توسلت إليك من أجل أولادنا الأربعة الذين لو وزعت عليهم أيام أجازتك ما نال كل واحد منهم خمسة أيام.. حظ الولد من أبيه خمسة أيام في العام.بعثت رسائل ممزوجة بدموعي تناشدك أن تعود فالفجر مازال مبتسما بين الدموع.. والفرح مازال باديا فوق الشفاه يا ليتك تعود.. يا ليتك تعود.. أو تأخذنا معك نحيا في أحضان الود واللهفة..كيف بي الآن.. وقد أخبرتني بعد عشرين سنة أنك سوف تعود، أصاب الهواء بعض الفطريات وأسدل الليل ستائر حزن، وانكسفت الشمس وخبأت وجهها برداء يحجب الفجر عن الطلوع.وعلى ذلك، فمن أجل أولادنا ومن أجلك ومن أجلي.. أرجوك.. ألا تعود.أنهى الزوج قراءة الرسالة ليستقل أسرع طائرة، ووصل بلده في ساعات قلائل وأسقط في يده عندما وجد ابنه الأكبر (عباس) محجوزا في مستشفى علاج الإدمان على أثر إدمانه الهيروين والبودرة.. وبعد يوم واحد من وصوله حضر شرطي يحمل رسالة: "الأستاذ جمال علي الطويل.. احضر حالا إلى قسم الشرطة للأهمية".أسرع جمال وقابل مأمور قسم الشرطة الذي بادره بالسؤال الآتي: أكنت طالبا بمدرسة.. الثانوية؟- نعم.. أأنت ممدوح خليفة؟- نعم..- إذن كنا زملاء دراسة في المدرسة الثانوية..- نعم.. بالأمس قبض على سيدة في العشرين من عمرها.. اسمها سمر جمال الطويل.. الديك ابنة بهذا الاسم؟- نعم.. ابنتي تحمل هذا الاسم.- قال مأمور القسم: لقد قبض على سمر- للأسف- في أحد بيوت الدعارة، وبالتحقيق معها اتضح أنها كانت متزوجة من زميل لها في الجامعة زواجا عرفيا منذ عام ولكنه بعد ست أشهر هجرها وتحول إلى جامعة أخرى.. ألم تعلم بكل هذه الأحداث؟- قال: لا.. لأني كنت أعمل في الخارج منذ عشرين عاماً.- ألم تقرأ يا أستاذ جمال حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؟! على أية حال، سيأخذ التحقيق مجراه وسأكون على اتصال بك إن شاء الله، أعانك الله تعالى على هذه المحنة وهذا الابتلاء.- وتوجه الأب (رب الأسرة) إلى بيته يجر أذيال الخيبة واليأس والعار والندم وهو يردد: "ليس المال غاية ولكنه مجرد وسيلة.."، وأدرك الفرق بينه وبين العميد ممدوح خليفة (زميل الدراسة) فهو يملك المال وممدوح يملك ما هو أعز من المال.. كما أدرك أيضا المغزى من قول زوجته: "أرجوك... ألا تعود".