15 سبتمبر 2025
تسجيلاستقراء الحالة العامة للمشهد السياسي في منطقة حوض خليجنا الذي يبرز مجرد اختلافنا على تسميته عمق التباعد الأزلي المكرس بين العرب والفرس رغم كل وشائج التقارب؛ هذا الاستقراء يفرض باستمرار جدلية التوافق والتصالح السياسي بين قطبي المنطقة "السعودية وإيران" فمهما كانت مساحة التباعد والاختلاف بين البلدين تظل الحاجة ماسة للتواصل والتعاون بينهما تقديراً لجملة أهداف مشتركة تحمي المنطقة من التدخلات الدولية التي تعتاش على مثل ذلك الخلاف وتغذيه غالباً بمبررات تشحن كلا الطرفين بالمزيد من دواعي الفرقة؛ الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بخبرته الطويلة في قضايا المنطقة يشخص الوضع برؤية منطقية أعلن عنها مؤخراً في منتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع آسيا الوسطى وجمهورية أذربيجان بعد توجيهه الدعوة لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وهو الإعلان الذي لقي صداً عالمياً واسعاً وتناقلته محطات التلفزة والإذاعات العالمية بالتحليل المكثف للوصول إلى مغزى هذا التصريح وقراءة معطياته وأبعاده المتعلقة بالتوجه نحو التلاقي السعودي مع إيران وفي هذه الفترة بالذات؛ فيذهب بعض المحللين إلى أن كلا البلدين يعرف حجم الآخر وإستراتيجيته في المنطقة وتصر بعض القوى العالمية على ألا يكون هذا التنافس تقليدياً أو ألا تكون هناك حزمة من التلاقي المتين بين البلدين دائماً فالخلاف يصب في مصالح قوى عظمى ويغذي خزائنها وهو ما يؤكده تصريح الأمير الفيصل وما يرمي إليه أيضاً في ضرورة خفض التوتر الذي لامس حدوداً دنياً بين شعوب المنطقة؛ فإيران حازت على جملة مكتسبات منوعة بعد الحادي عشر من سبتمبر وفرضت لها ورقة مؤثرة في اتجاهات الأحداث في الإقليمية وتدرك عبر قواها السياسية المدى المتاح لها في التأثير والحضور مما يعد مكتسباً مرحلياً ثميناً؛ لذلك تتزامن المبادرة السعودية مع مزاج سياسي إيراني يقبل مثل هذا التواصل خاصة بعد رحيل الرئيس السابق أحمدي نجاد وسياسته الصلفة؛ لذلك ربما يكون في التواصل القادم إذا ما تحقق بعض العوائد السياسية على المنطقة خاصة إذا لازمته ملامح الشفافية والاستقراء المنطقي المشترك للمشهد في المنطقة وإدراك الجميع بمبتغى القوى العظمى ولعبها على جملة التناقضات المحلية واستقلال تبني القيم الإنسانية للتدخل في شؤون المنطقة وصناعة توازنات جديدة وفق رؤيتها ومصالحها؛ ومع أن المزاج العام لدى الشعوب المحلية يجنح نحو ضرورة التلاقي والبعد عن التوترات وإيجاد صيغ حلول مقبولة من جميع الأطراف لنزع فتيل التوتر في جملة مواطن محلية إلا أن المتشائمين يرون أن التواصل مع إيران في هذه المرحلة وهي في حال من زهو الكبير بمكتسباتها السياسية واتفاقياتها مع الغرب بشأن برامجها النووية واستمرار الوضع في سوريا لصالحها بعد أربع سنوات من الثورة هناك دون أن يكتسب الحراك الداعم للثورة أي مكتسبات جوهرية من الدوائر الغربية يعد مناورة إيرانية لفرض الواقع وتحقيق المزيد من المكتسبات خاصة وأن فيما يسمى بالربيع العربي بعضاً من الطموحات والدعم الإيراني المنسجم مع جملة رؤى ومخططات عالمية؛ عموماً تبقى السياسة لعبة الممكن دائماً؛ وكما للرؤى التحليلية مداه في الفهم فهناك واقع يُفرض على كل الأطراف حيث لا يمكن التشبث بالطموحات والأحلام بعيداً عن المسلمات وهناك أيضاً حدود قصوى للمغامرات السياسية حتى تلك التي تخطط لها وتلعبها القوى العظمى فالنتائج محسوبة أيضاً بتأثير التاريخ وديموغرافية المواقع والمصالح بدرجة قصوى أيضاً؛ فأعتقد أن كل الأطراف في المنطقة تكشف لها حجم المناورة الدولية وربما أخذت الأنفس مداها في لعبة الشد واللين فصار من الضرورة التواصل والتفاوض واللعب على المكشوف في حدود ما تمليه الأطر الزمنية وهو ما يؤكد أن تلاقياً قادما مع إيران لن ينهي كافة الملفات في المنطقة بسلام بل سيفرض شكلا مرحليا لتجميد بعضها والعبور إلى مرحلة أخرى لها مسلماتها.