02 نوفمبر 2025

تسجيل

الخرطوم وهاجس المؤامرة الدولية

18 مايو 2013

يقول الدكتور عبد الله النفيسي المفكر الكويتي المعروف أنه اطلع على وثائق مهمة تشير إلى أن مؤتمراً دولياً عقد في ألمانيا في العام 1985م تم الاتفاق فيه على تفكيك وتقسيم السودان إلى (4) دول: جنوب، ووسط وغرب وشرق.. على أن يتم تنفيذ المشروع على مراحل ويستكمل في العام 2020م.. كلام النفيسي يُعضّده الواقع الذي يتلبس السودان اليوم؛ فالدولة في الجنوب قامت، بل أصبحت واحدة من معاول تنفيذ بقية المخطط.. قضية دارفور توشك أن تذهب بالجزء الغربي من البلاد، ويرى البعض أن الاستقرار النسبي الذي يسود الإقليم حالياً، هو استقرار مصنوع، أي أنه يتم بجهود دولية خارقة، وليس بسبب ظروف موضوعية ماثلة على الأرض؛ وريثما تنتفي الجهود الدولية فإن الاستقرار سيصبح في خبر كان.. وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي سبق وأن قال في تصريحات شهيرة أنهم لن يسمحوا لدولة عربية مسلمة تمتلك مثل إمكانات السودان بالاستقرار المفضي لتوظيف تلك الإمكانات لأن فيها تهديدا فعليا لإسرائيل، ونضيف أن السودان بالإضافة إلى ذلك يشكل جسراً للثقافة العربية الإسلامية نحو إفريقيا.. من أكثر الأشياء مدعاة للقلق بالنسبة لإسرائيل هو قيام تضامن عربي إفريقي يؤدي إلى جبهة سياسية واحدة، تزيد من حالة العزلة التي تعاني منها، ولذلك جعلت إسرائيل، من أهدافها المهمة في القارة الإفريقية إضعاف علاقات الأقطار الإفريقية بالعالم العربي.. وتعطي بعض الأرقام صورة عن أهمية الترابط الجغرافي إذ أن أكثر من نصف العرب يعيشون في إفريقيا (حوالي 60%)، و25% من الأفارقة هم عرب، وأكثر اللغات التي يتحدث بها أهل إفريقيا هي اللغة العربية.. عندما تحرك الجيش السوداني في أبريل من العام الماضي في أول مواجهة بين جيشي البلدين (السودان وجنوب السودان) بعد الانفصال لتحرير منطقة هجليج القريب من الحدود مع جوبا؛ خاطب رئيس دولة الجنوب سلفا كير إفريقيا والعالم مستغيثاً قائلاً: (إنه يحتاج للدعم لأنه يواجه الإسلام والعروبة القادمين من جهة الخرطوم).. عندما تحسنت العلاقات بين جوبا والخرطوم في مارس الماضي بعد تعثر دام طويلا إثر توقيع اتفاق التعاون المشترك في سبتمبر الماضي بأديس أبابا، قالت إسرائيل على لسان مسؤول رفيع إنها لن تسمح بإطفاء الحرائق في السودان. كانت الحركة الشعبية الحاكمة في دولة جنوب السودان اليوم، منذ أن بدأت نشاطها العسكري والسياسي ضد الخرطوم منذ أكثر من عقدين من الزمان تتأبط خطة سياسية عسكرية من قسمين (أ)، (ب).. تحقيق القسم (أ) يغني بالضرورة عن القسم (ب)، بينما يتم اللجوء إلى الخطة (ب) في حال فشل الخطة (أ).. المآل النهائي لهدف الحركة استقر على الخطة (ب) وهي فصل جنوب السودان وتأسيس دولة تتبنى نهجاً وسياسة على النقيض مما تتبناه حكومة (البشير) في السودان الأم.. الخطة (أ) تبنت شعار تحرير السودان وصولاً إلى (سودان جديد) يتم فيه طمس الهوية العربية الإسلامية وإزاحتها من الحياة العامة وإرساء قواعد نظام حكم علماني بملامح زنجية إفريقية خالصة.. فشل الخطة (أ) لا يعني التخلي تماماً عن هدف (السودان الجديد)، ولكن يتم تحقيقه بوسائل وطرق سياسية وعسكرية جديدة، ولذا تدعم جوبا الجماعات المتمردة المسلحة سواء في دارفور أو ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتم تأسيس ما عرف بالجبهة الثورية التي تضم حركات دارفور غير الموقعة على سلام الدوحة والحركة الشعبية – قطاع الشمال التي تنطلق من ولايتي النيل الأزرق.. آخر عمليات الجبهة الثورية العسكرية الهجوم على مدينة أم روابة وأبو كرشولا والقيام بعمليات تصفية جسدية واسعة النطاق ونهب ممتلكات المواطنين.. بالأمس جدد النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان طه وهو يتحدث في لقاء صحفي جامع بقيادات الأجهزة الإعلامية، على خلفية هجوم الجبهة الثورية، والرجل الذي قليلا ما يتكلم قال إن السودان يتعرض إلى مؤامرة دولية محكمة التخطيط. حتى إن وافقنا على هاجس المؤامرة بشكل أو بآخر؛ فإن مشكلة السودان ليست في المؤامرة الدولية فحسب، بل إن إشكاليات ماثلة تمسك بتلابيب كل المكونات السياسية في البلاد، وهذه الإشكاليات هي التي تُعجّل بنجاح المؤامرة الدولية.. الحكومة والمعارضة بشقيها السلمي والعسكري، يعانون من ضعف وارتباك كبيرين.. فالحكومة أو المؤتمر الوطني الحاكم غير متصالح مع نفسه دعك من أن يكون متصالح مع القوى السياسية الأخرى.. فالخلافات بين مكوناته بلغت ذروتها عندما حاول البعض منه القيام بانقلاب عسكري.. المعارضة السلمية مفككة ومكوناتها وهياكلها بعيدة كل البعد عن العمل الديمقراطي وهي حينما تتحدث عن الديمقراطية فإنها تفتقدها تماما ولا تمارسها مطلقاً.. أما المعارضة المسلحة، فقد انزلقت في أتون عمل عنصري وجهوي وتحاول زيادة شعبيتها من خلال العزف على وتر العنصرية، هذا فضلا عن اعتمادها العمل العسكري الدموي سبيلا أوحداً لتحقيق أهدافها السياسية.