14 سبتمبر 2025

تسجيل

التغيير.. حقيقة حياتية لابد منها

18 أبريل 2019

لو تأملت قوله تعالى بعض الشيء في الآية 11 من سورة الرعد (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) لوجدت وأدركت أن مسألة التغيير واضحة، وإنها لحقيقة تُلقي على البشر تبعة ثقيلة - كما يقول الشهيد سيد قطب في ظلاله -:” فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنته، أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر؛ وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تعرضهم لهذه السنّة بسلوكهم، والنص صريح في هذا لا يحتمل التأويل. وهو يحمل كذلك - إلى جانب التبعة - دليل التكريم لهذا المخلوق الذي اقتضت مشيئة الله، أن يكون هو بعمله أداة التنفيذ لمشيئة الله فيه." كثيرون منا وفي لحظات تأمل وتدبّر معينة، لابد وأن أحدنا فكر يوماً في تغيير أمر ما في بيئته أو مجتمعه أو ربما العالم كله.. من أصغر الأشياء إلى أعظمها. كل هذا التفكير والتخطيط جائز وقوعه، بل لا شيء أن يحدث هذا النوع من التفكير بكافة تفاصيله - إن وجدت - طالما أنه في عالم الخيال. لكن القليل من يفكر بطريقة أكثر دقة وتركيزاً، فيبدأ بعملية التغيير من نقطة البداية، ويعتبر نفسه تلك النقطة، فيعمل على نفسه ويغير ما يريد أن يغير، حتى إذا اقتنع بنتائج التغيير على نفسه، أو وصل للصورة التي يطمح أن يرى نفسه بها، يبدأ بمن حوله ثم الذين يلونهم، وهكذا يتوسع في التغيير إلى ما شاء الله له أن يكون. بعبارة أخرى: هو وشطارته، كما تقول العامة. يُحكى أن ملكاً كان يحكم دولة ممتدة الأطراف، وأراد يوماً القيام برحلة برية طويلة في ربوع مملكته.. وخلال الرحلة الطويلة تلك، وجد أن أقدامه قد تورمت بسبب المشي الطويل في الطرق الوعرة، فأصدر مرسوماً يقضي بتغطية كل شوارع المملكة بالجلد! لكن أحد المستشارين الصادقين حوله، أشار عليه برأي آخر، وهو صناعة قطعة جلد صغيرة تكون تحت قدمي الملك فقط. فأعجبته الفكرة وأمر بتنفيذها، وكانت تلك بداية صناعة الأحذية – أعزكم الله. الشاهد من القصة أنه إذا ما أردت أن تعيش سعيداً في هذه الحياة، فلا تحاول تغيير كل الحياة أو كل العالم أولاً. بل ابدأ مشروع التغيير في نفسك بادئ ذي بدء، وابذل جهدك فيه. ثم حاول بعد ذلك تغيير ما حولك، أو الحياة أو حتى العالم بقدر ما تستطيع. وتذكر دوماً الآية التي بدأنا بها. (إن الله لا يغير ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم). هذه حقيقة غاية في الأهمية، وقلما ندركها ونحن نسير في مشاريع التغيير المتنوعة هنا وهناك، بل تغيب تماماً بقدرة قادر، حين يكون أحدنا صاحب القرار أو يكون متمكناً في موقعه، سواء كان حاكماً أو رئيساً أو وزيراً أو غير ذلك من مناصب ومهام رفيعة الشأن. تجده يقر مشروع التغيير فوراً من فرط حماسته، دون التنبه إلى أن المسألة ليست كامنة في إصدار قوانين وتشريعات، بل هي قناعات أولاً، ومن ثم خطوات صغيرة فاعلة ثانياً ضمن محيط صغير سهل السيطرة عليه، ومن ثم يبدأ التوسع شيئاً فشيئا. إن أردت أن يلتزم موظفوك مثلاً بالتعليمات والأنظمة والقوانين، فلتكن أنت من أكثر الناس التزاماً في السر والعلن.. وإن أردت أن تصلح أولادك وتحثهم على فعل الخيرات وترك المنكرات وغيرها من أعمال صالحة راقية نافعة في الدنيا والآخرة، فلتكن أنت ممن اعتادوا عليها ومارسوها قولاً وفعلاً.. وهكذا مع بقية الأمور الحياتية الأخرى. إن أردت تغيير الناس ليكونوا صالحين مصلحين، فلا بد أن تكون أنت صالحاً مصلحاً. وإذا أردت تغيير سلوكيات سيئة مشوهة عند مجموعة من أصحابك مثلاً، إلى أخرى طيبة ناصعة، فلابد أن تكون متمكناً بل ومتعمقاً في تلك السلوكيات الناصعة الإيجابية، حتى إذا ما طلبت منهم ذلك، وصلوا من فورهم إلى النقطة المطلوبة، وفي أذهانهم صورتك الإيجابية، لاسيما والحديث حينها يدور حول تلك السلوكيات. لا يمكنك أن تغير الآخرين ما لم تكن أنت نفسك قد تغيرت فعلاً. إنك حين تدعو للتغيير وأنت قد مارسته ونجحت فيه، فإن المصداقية عالية جداً ساعتئذ، وثقة الناس تزداد بك، وبالضرورة ستكون إرشاداتك وآراؤك محل قبول ثم تنفيذ.. والعكس صحيح لا شك فيه. التغيير ليس سهلاً ولكنه ليس مستحيلا إن جئنا لنمارس ونرى حقيقة التغيير في عالم الإدارة والأعمال والسياسة مثلاً، فإنه لابد من أن تكون واضحة لنا حقيقة عملية التغيير، وأنها ليست سهلة، وإن كانت ليست بالمستحيلة كذلك.. وهذا بالتالي سيقودنا إلى الخطوة التالية، وحتى تكون العملية التغييرية مؤثرة في عالم الأعمال أو الإدارة أو السياسة أو ما شابه، أهمية أن تكون العملية مقنعة، سواء لقيادة المؤسسة المراد إحداث التغيير بها أو للعاملين فيها. وأن يكون بعد ذلك لهذه العملية، قائد ذو مواصفات وقدرات يستطيع بها إحداث التغيير المطلوب. أما الخطوة الثالثة فتتمثل في ضرورة وجود قوة بشرية تساند القائد الجديد في عملية التغيير، سواء كانت متمثلة في أفراد مؤثرين بالمؤسسة أو أصحاب قرار، أو قوة منبثقة من القاعدة الشعبية الكبيرة العامة بالمؤسسة.. بمعنى آخر، يجب أن تكون هناك رغبة مشتركة ما بين جزء من القيادة وجزء من القاعدة، يعضد كل منهما الآخر ويكونان مع قائد التغيير قلباً وقالباً. مع التنبه إلى نقطة رابعة أخيرة إلى أن العملية لن تمر بسلام بسبب وجود فئة المقاومة، التي تقعد لعناصر التغيير كل مرصد. وهذا أمر طبيعي جداً في أي عملية تغييرية، بسبب شعور أفراد تلك الفئة بفقدان مصالحها عما قريب، أو الرغبة في البقاء بدائرة الضوء بأي صورة ممكنة، والمقاومة حتى النهاية، الأمر الذي يستدعي منها إطالة أمد عملية المقاومة، بشكل وآخر. لب موضوع اليوم يتركز في حقيقة أن التغيير أمر مطلوب دوماً في حياتنا، وأن التغيير آلية من آليات الإصلاح من أجل البقاء، سواء قمنا به بأنفسنا أو جاء التغيير من خارج دوائرنا التي نعيشها، سواء الدائرة الصغيرة المتمثلة في الشخص نفسه أو الدائرة الأكبر المتمثلة في عائلته أو الأكبر في مجتمعه أو الأكبر من تلك والمتمثلة في دولته أو الأكبر والأكبر حتى نصل إلى العالم كله.. هو أمرٌ يحتاج لبعض تأمل وتدبّر، لاسيما آية التغيير التي بدأنا بها ونختم بها كذلك، لتظل محفورة في الأذهان دوماً.. (إن الله لا يغيرُ ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم).. والله كفيل بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [email protected]