31 أكتوبر 2025
تسجيلمضى الثالث عشر من أبريل.. لعله يوم عادي في حياة كثير من العرب، باستثناء لبنان.13 أبريل 1975 بداية اندلاع الحرب اللبنانية، أربعون عاما مضت على هذه الحرب التي دامت رسميا خمسة عشر عاماً. لم تنته فعليا.. اللبنانيون يستذكرون هذه الحرب وبداياتها ليس على أنها جزء من ماض طواه النسيان وبات وجها من تاريخنا الذي أحيل إلى الأرشيف في العقل الجمعي.. اللبنانيون يستذكرون هذا التاريخ، وقلوبهم ترتجف، وعلى ألسنتهم أسئلة أكثر إلحاحاً: هل انتهت هذه الحرب فعلاً؟ هل نحن خارج مجال تكرارها مرة أخرى؟ ما الذي تعلمناه منها، بل ما الذي حصدناه؟لقد كانت الحرب اللبنانية علامة فارقة في حروب العرب والإقليم وربما على المستوى الدولي بعد ظهور مصطلح "اللبننة" الذي اعتبر أنموذجا في حينه لأكثر الحروب فتكا للشعوب وأسرعها تفتيتا للدولة ومؤسساتها، ولولا الحروب الدينية التي شنها الصرب على إخوانهم في التاريخ والجغرافيا والعرق في منطقة البلقان وظهور مصطلح "البلقنة" ومن بعده "العرقنة" للدلالة على ما أصاب المجتمع والدولة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وتدشين المحاصصة السياسية التي دمرت المجتمع العراقي، لبقيت "اللبننة" رمزاً لكل مخيف في حياة الشعوب.مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان لم يكن أحد يتوقع أن تطول شهورا ثم سنوات، كانت تُعتبر جولات حروب صغيرة بين فئات ونتوءات طائفية وإيديولوجية غريبة عن بيئة المجتمع ونسيجه، لكن انتهاء الحرب أشبه ببقع الزيت التي لا تتوقف عن التمدد كلما سخن الصفيح الذي يحملها. وهكذا من حيّ إلى حيّ، ومن زقاق إلى زقاق، ومن مدينة إلى مدينة غرق لبنان وأهله في دوامة عنف لم يعرف من يقاتل من، ومن أجل ماذا تتقاتل الأحزاب والطوائف بعد أن انحسر المعترضون على هذه الحرب، ودخلوا ثلاجات الصمت الرهيب التي فُرضت عليهم أو أقصتهم خارج الحدود ليتدفقوا عرايا عند تخوم بلاد الغربة، حاملين المرارة والألم والخوف من المجهول الذي لن ينتظر أحداً ليسأل عن حاله، وكيف انتهى به المطاف لاجئاً على أرض لم تطأها قدمه يوما، ولا يربطها بأهلها وتربتها رابط فكر أو دم.طالت الحرب طويلاً حتى طبعت لبنان بها، وأصبحت جزءا منه، وذاب في تلافيفها حتى صارت منه. مات كثيرون فيها، وقتلت هي كثيرين، كانوا يظنونها ستنتهي يوما.. رحلوا ولم ترحل الحرب. ولعل الروائي الفرنسي "بيار لوميتر" جسّد مشاعر هؤلاء وآمالهم في روايته المعنونة "إلى اللقاء في الجنة"، فكتب قائلاً عن الحرب في أوروبا يوما، وكل الحروب متشابهة: "جميع أولئك الذين ظنّوا هذه الحرب ستنتهي قريبا ماتوا في الواقع، منذ زمن طويل. وتحديدا من جراء الحرب".نعم مات خلق كثير كانوا يظنون الحرب لعبة محلية أو دولية ستنتهي سريعا، لكن عجلات الحرب الطاحنة داستهم دون شفقة أو تردد ومضت إلى غايتها، وحتى اليوم وبعد أربعين عاما على اندلاعها لا أحد يعرف ما إذا كنا في مناعة من تكرارها مرة أخرى. انتهت الحرب رسميا، ولم تفتح ملفاتها ولم يحاكم عنها أحد، ولم يتحمل مسؤولية اندلاعها، ولا عمّا ألحقته بالشعب والدولة من خراب، وحين تنتهي حرب بهذه النتائج لا أمل من إعادة بناء دولة، كما لا حامي بتاتا من منع تكرارها مرة أخرى إذ لا يمكن بناء الدولة على إعادة تبجيل صناع الحرب وأمرائها والدوس على الضحية.يعلق أحدهم بمرارة على ما انتهت إليه الحرب اللبنانية من إعادة تأهيل أمرائها واتفاقهم فيما بينهم على اقتسام ما تبقى من السلطة والمؤسسات، والتذرع بكل زعيم أو أمير حرب بطائفته والتترس بها في مواجهة من يلاحقون الفساد وأهله قائلا: عندما تتغير القيم السائدة من قيم حرب إلى قيم الاعتراف بالضحية، حينها يمكن تجاوز الماضي إلى مستقبل أفضل. فذاكرة الأبطال ذاكرة انتقائية وفئوية، بينما ذاكرة الضحايا وطنية جامعة يمكن من خلالها تجاوز قيم الحرب إلى قيم أسمى".