12 سبتمبر 2025
تسجيلبعد العشرية السوداء (1990-2000) وبعد هلاك 200 ألف شخص وخسائر مادية تقدر بمئات المليارات من الدولارات كان الجميع يظن أن الجزائر ستدخل مرحلة جديدة من الديمقراطية والشفافية والحكم الراشد وستتعلم من الأخطاء والهفوات والتجاوزات السابقة. وبمجيء بوتفليقة إلى الحكم ظن الكثيرون أن الجزائر ستنطلق في مرحلة جديدة من الديمقراطية والتنمية المستدامة خاصة أن كل الشروط متوفرة ومن أهمها السيولة بالعملة الصعبة والتي وصلت 200 مليار دولار والإمكانات والموارد العديدة التي تنعم بها الجزائر سواء في المجال الزراعي أو الصناعي أو السياحي أو ما يتعلق بالكوادر البشرية...الخ. مع الأسف الشديد الرئيس بوتفليقة جاء بفكرة الخلود في كرسي الرئاسة وأحاط به مجموعة من الوزراء والسياسيين تفننوا بتدبير الموارد والطاقات والإمكانات على غرار وزير الطاقة السابق الذي استطاع أن يشرذم ويفتت شركة سونطرام وهي أكبر شركة في القارة الإفريقية حيث تورط في قضايا رشوة وفساد قُدرت بالمليارات من الدولارات. قضايا رشاوى تورط فيها الوزير الذي ينعم بالحرية الكاملة اليوم متنقلا بين أمريكا ودبي. من قضايا الفساد كذلك الطريق السيار شرق غرب الذي كلف الجزائر ضعف ما كان مقدر له من ميزانية إنجازه ورغم هذا فإنه اليوم يعاني من مشاكل لا تحصى ولا تعد في العديد من أجزائه. أما قضية الخليفة فهي أضحوكة عهد الرئيس بوتفليقة حيث تلاعب الرجل بتواطؤ وزراء ومسؤولين كبار ومقربين من الرئيس بمليارات الدولارات من أموال الشعب المغلوب على أمره. هذه هي حصيلة الرئيس بوتفليقة الذي سيفوز دون أدنى شك بولاية رئاسية رابعة وهو غير قادر على مخاطبة شعبة منذ ما يقارب السنتين. الرئيس أطال الله في عمره وشفاه لا يقدر حتى على المشي وكيف به يرأس الأمة. وإذا كانت لبوتفليقة شجاعة فليقود حملته الانتخابية كما فعل في 1999 و2004 وليخاطب شعبه الذي اشتاق لسماعه أو حتى مشاهدته على التلفزيون. فليقطع الرئيس بوتفليقة الشك باليقين ويقدم تقريرا طبيا عن حالته الصحية يُنشر في وسائل الإعلام المختلفة. فأي انتخابات تجرى في الجزائر وما الفائدة من ورائها عندما ينتشر الفساد وإهدار المال العام والبيروقراطية والمحسوبية وأمور كثيرة جعلت الجزائر تتراجع بدرجات كبيرة جدا في سلم ومؤشرات الشفافية والاستثمار الأجنبي والرشوة والفساد...الخ. أي انتخابات عندما يقوم عدد من الوزراء بالحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة وبإمكانات وأموال الشعب، بينما باقي المرشحون يستسلمون إلى أمر البيروقراطية والإدارة التي تقوم بكل ما بوسعها لترجيح كفة فوز الرئيس بوتفليقة على الآخرين. أين الشفافية في الانتخابات عندما تسخر وسائل الإعلام الحكومية والإدارة العامة والولاة ورؤساء الدوائر والبلديات لضمان فوز الرئيس بوتفليقة؟! مع الأسف الشديد في الجزائر هناك انتخابات لكن دون ديمقراطية ولا تفرز الديمقراطية. ومن قال إن الانتخابات هي الديمقراطية. فهي مجرد فلكلور سياسي من أجل مغالطة الشعب أنه حر وينعم باختيار من يرأسه. فالشعب المغلوب على أمره يرى ويشاهد يوميا كيف بلد بحجم الجزائر مازال يعاني من البطالة وأزمة السكن ومشاكل اجتماعية لا تحصى ولا تعد. تتوالى السنوات وتتكرر الانتخابات في الجزائر والنتيجة واحدة، نتائج معروفة مسبقا وغالبية الشعب غير مهتمة بالحدث لأن الأمور ستبقى على حالها أو تتطور نحو الأسوأ. الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجزائر جاءت منذ بدايتها مخالفة لمعايير الديمقراطية والشفافية واحترام إرادة الشعب. ففي سنة 2008 تم الاعتداء على الديمقراطية عندما أزيلت المادة 74 من الدستور، هذه المادة التي كان يفتخر بها الجزائري لأنها تحدد مدة الرئاسة في عهدتين فقط ولا مجال للرئاسة مدى الحياة والاستبداد والسطو على السلطة. فالرئيس بوتفليقة كان بإمكانه أن يدخل التاريخ من أبوابه الواسعة ويفعل مثل عظماء التاريخ وينسحب بشرف ويترك المجال لآخرين ممن يستطيعون الحكم والإدارة على مستوى عال. مع الأسف الشديد الرئيس بوتفليقة نشر نظرية أن البلاد والعباد بحاجة إليه لإتمام مشاريع وخطط التنمية والتطور. مما يعني أن الجزائر لا تملك رجالا وأن بوتفليقة هو الوحيد القادر على حكم الجزائر وإدارة شؤونها. وأي تنمية وتطور؟ ففي عهد الرئيس بوتفليقة ورغم سعر البترول المرتفع والمداخل الكبيرة التي حققتها الجزائر من ورائه فمازال الشباب يفكر في الهجرة ويركب قوارب الموت للوصول إلى شواطئ جنوب أوروبا. وهذا الشباب فيه الأطباء والمهندسون وخريجو الجامعات الذين ضاقت بهم الدنيا ولم يجدوا منصب شغل في بلد فيها الكثير من الخيرات والنعم. بعد كل ما عانت منه في التسعينيات رشح الكثيرون الجزائر لدخول عهد جديد، عهد التناوب على السلطة والديمقراطية الحقيقة والمجتمع المدني القوي والفعال وكذلك معارضة وأحزاب سياسية تقوم بالمرصاد للفساد والظلم والسرقة ونهب المال العام. مع الأسف الشديد الجزائر لم تتعلم الدرس في جو انتشرت فيه الرداءة وثقافة التملق للوصول إلى المصالح الشخصية. انتخابات أبريل 2014 الرئاسية في الجزائر لا تغير شيئا بل تكرس الرئاسة مدى الحياة، بعبارة أخرى فهي بالمعايير والمقاييس السياسية مملكة بوتفليقة وليست الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. فبوتفليقة قضى على ثقافة التناوب والديمقراطية والشفافية وجعل من شخصه الإنسان الوحيد القادر على حكم الجزائر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا شُطبت المادة 74 من الدستور؟ ولماذا نشر ثقافة أن الرئيس بحاجة إلى عهدة أخرى لإتمام مشاريعه وخططه وبرامجه؟ الأمر هذا عجيب وغريب ولماذا لا يطرح في الديمقراطيات والدول الكبيرة وحتى الصغيرة في العالم. والأغرب في كل هذا هو عندما تجد شخصيات سياسية ونخب مثقفة ووزراء يروجون لمثل هذه الأفكار. لكن يزول العجب عندما ندرك أن هؤلاء المنظرين للرئاسة مدى الحياة هم الانتهازيون والوصوليون وهؤلاء الذين يعملون ليل نهار لاستمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم لمواصلة الاستفادة من البقرة الحلوب ومن دولة الريع. هكذا أرادوها السياسة من أجل جمع الثروات والأموال وبأي ثمن. وإذا عدنا إلى ما جرى في الحملات الانتخابية التي قام بها المترشحون الستة في الأسابيع الأخيرة الماضية نلاحظ عزوف الشعب عنها وكذلك إلغاء العديد من التجمعات من قبل المترشحين وفي الكثير من الحالات هرب ممثلو الرئيس بوتفليقة وغيره من المترشحين بجلدتهم بعدما تعرضوا للإهانة والمضايقات وسوء المعاملة وهذا لعدم استلطافهم من فئات الشعب التي تعاني من مشاكل عديدة. من جهة أخرى أفرزت هذه الانتخابات التي سميت بالمغلقة العديد من الحركات المناهضة لها ومن أهمها حركة "بركات"، أي كفى وهي تعبير واضح وصريح من قبل الشعب لإيقاف مسلسل " الضحك على الدقون" والاستخفاف بعقول الناس. فالديمقراطية لا تحقق بالاستحواذ على السلطة وبالفلكلور السياسي، بل تتحقق من خلال المجتمع المدني والقوى المضادة التي تراقب الفساد والتجاوزات. مع الأسف الشديد الجزائر كانت سباقة للربيع العربي لكنها ورغم موت 200 ألف شخص مازالت الأمور على حالها، بل أسوأ، وكان بإمكان الرئيس بوتفليقة أن يحذو حذو الرئيس الراحل مانديلا ويسلم المشعل لغيره، لكن مع الأسف الشديد الرجل مريض بالكرسي.