17 سبتمبر 2025
تسجيلإن يوم جلاء المحتل الفرنسي عن سوريا يوم مجيد للوطن الغالي فهو يوم الاستقلال الغالي للبلاد والعباد وهو الزمن الحقيقي المعتبر بساعاته الغاليات التي هي زبدة عمر التضحية والجهاد من أجل الحرية التي دفع الأحرار دماءهم مهورا حتى فتحوا أبوابها، لقد كان ذلك منذ بدء الاحتلال الفرنسي لسوريا في 25 يوليو عام 1920 حتى 17 أبريل عام 1946 فكانت الفرحة الكبرى ونامت سوريا ملء جفونها وتبدد حلم غورو كما يقول الشيخ علي الطنطاوي وخابت أماني ديغول قبله وتحققت أماني يوسف العظمة شهيد ميلسون وعادت أيام معاوية وعبدالملك بن مروان والوليد ابنه واتصل التاريخ الذي كان قد انقطع منذ قرون وأنشد الشاعر الحموي بدرالدين الحامد: عيد الجلاء هو الدنيا وزهوتها لنا ابتهاج وللباغين إرغام غورو يجيء صلاح الدين منتقما مهلا فدنياك أقدار وأيام هؤلاء هم الفرنسيون الذين جاؤوا مع البريطانيين، فرنسا صاحبة الثورة الكبرى والنهضة التي ادعت أنها قامت على العدالة والحرية وهي التي أنجبت جان جاك روسو وهوكو ولامارتين، وهي التي صنعت تمثال الحرية ثم أهدته إلى أمريكا، فرنسا أم الحرية التي ذبحت هذه الحرية في الشام وأساءت إلى تاريخها إلى أن أعطاها الثوار درسا لن تنساه فلم يخشوها حين كانت تخشاها الدول القوية، أما بريطانيا التي لم تكن الشمس تغيب عنها فلم تكن أقل سوء إذ كان الجنرال سبيرس بريطانيا يعمل كل حيلة لأن تحل بلاده مكان فرنسا في الاحتلال ولكننا ابتلينا بالاستعمار الفرنسي الشنيع الإرهابي كما ابتليت بلاد غيرنا به، وإننا نقول: إنه لولا تشرشل البريطاني ما نجح شارل ديغول هذا الرجل الذي هاجم المجلس النيابي في سوريا بقواته الغادرة ومثل بالشرطة عام 1364هـ، وبقر جنوده البطون وسملوا الأعين وسرقوا الصندوق المالي للبرلمان، لقد كان الاحتلال الفرنسي بشعا جدا، حيث فجع الشعب بأبنائه وبناته وأطفاله حتى قال شوقي عن دمشق: وبي مما رمتك به الليالي جراحات لها في القلب عمق وللمستعمرين وإن ألانوا قلوب كالحجارة لا ترق وحتى قال عزالدين التنوخي عن حماة: أعلمت أن حماة لم يدعوا بها حجرا على حجر يريك ظلالها الله للأطفال كيف غدت لقى صرعى القنابل بعثرت أوصالها ولكن هل يترك أهل سوريا فرنسا المتحضرة تخوض في دمائهم يا ترى كلا فقد هب الثوار الأبطال رجالا ونساء يدافعون عن الحمى ويطلبون الشهادة كي توهب لهم الحياة واستهزؤوا بقوات المستعمر وآلياته فكانوا أقوى شكيمة منه وفتح الشباب صدورهم للرصاص وصمدوا أمام هذا الجيش اللجب وفعلوا بالمحتل الأفاعيل حتى ضاقت المقابر بالشهداء فرقموا التاريخ بدمائهم. دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم أنه نور وحق وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق وكانت ثورة إبراهيم هنانو الذي قاد أكثر من سبع وعشرين معركة حتى استرد مواقع عديدة منها منطقته كفر تخاريم وأصدر الفرنسيون أربع مرات قرارات بإعدامه حتى توفي عام 1935م، بعد أن تولى الجهاد في جبل الزاوية وحلب وما حولها، وكانت الثورة من غوطة دمشق ومن جبال اللاذقية إلى جبل العرب ومن أعالي حلب إلى أدنى حمص وحماة، وهنا يجب ألا ننسى كما فعل عديد من المؤرخين للثورة السورية الجهود الجبارة التي قام بها شيخ العلماء والمحدث الأكبر بدر الدين الحسيني تـ 1935م، حيث كان مقره في داره والجامع الأموي ودار الحديث فتحرك وطاف في البلاد يحرص الناس حتى الشمال والجنوب فكانت هبته هي الشرارة الأولى للالتقاء في غوطة دمشق ثم الانطلاق منها، وقد حدثني والدي حفظه الله وهو ممن اشترك في القتال في الغوطة وحماة مع المحاربين القدماء كيف كان التخطيط وكيف كان توجه المجاهدين في ضرب دبابات فرنسا وإصابته مازال أثرها في جسمه حتى اليوم، وعرفت منه أيضا كيف كان من الوطنيين الشرفاء الدكتور عبدالرحمن الشهبندر وحسن الحكيم وزكي الخطيب وسعيد حيدر، حيث قابلوا منذ اندلاع الثورة كراين المندوب الأمريكي الذي حضر لتقصي بعض الحقائق ثم كان نصيب هؤلاء لأنهم شرفاء أن نفوا إلى جزيرة ارواد، ولقد كان مع الشيخ بدر الدين الحسني الشيخ خالد الخطيب حيث كان المتظاهرون يخرجون بعد خطبة الجمعة وكانت ثورة المساجد على المحتل في دمشق وريفها وكانت معركة ميسلون الشهيرة، حيث استشهد يوسف العظمة رحمه الله ولعل من الجدير بالذكر أن لا نغفل ذكرى البطل حسن الخراط الذي كان حارسا ليليا وقد استطاع أن يدخل دمشق ولا يبقي فيها فرنسيا بعد أن وقفت فرنسا بجيشها تخاف أن تعبر جسرا تورا المعروف وقامت ثورة سلطان باشا الأطرش في جبل العرب وكانت البداية منذ جاءه رجل لبناني اسمه أدهم محكوم عليه بالإعدام فأجاره ثم تحركت الثورة وكانت ثورة الشيخ صالح العلي التي انطلقت من قرية بدر في الساحل، وفي عام 1943م، تسلم الوطنيون الحكم في سوريا على رأسهم شكري بك القوتلي الذي رفض الاعتراف بمركز فرنسا، ورغم أن تشرشل الانجليزي أخذ يستميله ويطمعه من خلال اقتراحات بذلك لكنه رفض اقتراحاته وكان ما كان حتى أكرم الله شعب سوريا الأبي والأبطال الأشاوس المؤمنين المجاهدين بالنصر وكما يقول الشيخ الطنطاوي في مذكراته "1/269" و "5/101" و "8/273"، ويفصل في أشياء كثيرة يجب أن نكون حريصين على معرفتها وفهمها: لقد كسرنا فرنسا في مواقع عديدة في دمشق وسائر المحافظات، أقول: وقد عرف الشعب السوري وقتها بوحدته الوطنية التي كانت قائمة على احترام الرجال وأحوالهم وإن كان للدين الإسلامي أوفر نصيب في دحر فرنسا عن بلاد الشام. والجدير بالذكر أننا نقول ذلك وسوريا تمر بظروف حساسة بما جرى ويجري من أحداث تتطلب قراءة جديدة لمرحلة جديدة في عصر التقنية والمعلومات وتحرر الشعوب من حكامها المتجبرين، فحتى لا يعيش الناس بين محتل ومستغل فلابد من الإفادة من تاريخنا المجيد في الثورة السورية والعمل على نهضة حقيقية لا شكلية في بلادنا ونحن مهما قدمنا من تضحيات في سبيل حريتنا وكرامتنا وتخلصنا من الاستبداد والاستذلال والخوف فهذا شيء قليل وكما قال علي رضي الله عنه: لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا، وأن نعمل بعقل فكما قال (لبنتز) العقل روح الحرية ولا حرية دون مسؤولية كما قال جان جاك روسو، وعلى هذا فيمكننا القول بكل شفافية إن كلمة الرئيس بشار الأسد التي وجهها أول أمس لوزراء الحكومة الجديدة وإن كان فيها بعض الشيء الخدمي الذي هو أصلا من حقوق الشعب ولا علاقة له بالإصلاحات أو المنح لم ترق أبداً أن تركز على مهمات وزارة الداخلية وكف قبضتها الأمنية، ولا وزارة الدفاع والتطرق إلى أن الجيش مهمته الحماية من إسرائيل والأعداء ولا ذلك وزارة الخارجية وتنسيقها بما يحفظ هيبة الدولة إذ هيبتها من هيبة الشعب وأين التركيز مع الخارجية على تسهيل وثائق السفر والآليات ذات الصلة للمواطنين إن الشكوى في ذلك على كل لسان تقريبا، ثم وزارة المالية وأن كان جيدا ما ذكره الرئيس من ضرورة أن يسجل كل وزير رصيد حسابه من بداية تسلمه ثم تراجع حساباته أقول: إلا أن هذا يجب أن يعم الجميع من الهرم إلى القدم وألا تكون هناك ثلة من القرابة لها امتيازات يعرفها الجميع لا تحاسب ولا تراقب! باختصار أن معظم مطالب المحتجين لم يتناولها الرئيس والتي أهمها الحرية السياسية وهي تعني اشتراك كل سوري مهما كان رأيه مخالفا في القرار فسوريا للسوريين جميعا وكذلك إطلاق سراح المعتقلين القدامى والجدد والبت في الملفات الإنسانية ووضع حال المهجرين قسرا وصل مجلس الشعب الذي لا يمثل الشعب حقيقة وإبعاد حزب البعث عن القيادة وحده، وكم آلمني أمس وأنا أسمع التليفزيون السوري الساعة الثانية ليلا بمناسبة عيد الجلاء أن يتصل متصل مقيم في السعودية وهو سوري من الرقة اسمه رحيمي مع مقدم البرنامج الأستاذ علاء ويقول غير معلق على الجلاء ويذكر القرضاوي بألفاظ بذيئة وآخر فنان اسمه حسن حسن يقول: البعث ديني وبشار الأسد ربي!! أي والله فيبرر له علاء أن هذا مجاز فكيف تتوقف الاحتجاجات؟ وإن المجازر المستمرة لن تقبرها. [email protected]