11 سبتمبر 2025

تسجيل

هل تركيا "عثمانية جديدة"؟

18 مارس 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لقد سنحت لي الفرصة عندما كنت مديراً عاماً لوكالة الأناضول للأنباء، لزيارة الدول الناطقة باللغة العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك للتعريف بالمزايا التي تقدمها نشرة اللغة العربية، التي تبثها الوكالة، لقد طرح علي مراراً وتكراراً وفي العديد من البلدان التي زرتها، سؤال "عمّا إذا كانت تركيا هي جزء من مشروع عثماني جديد أم لا؟"، فيما كان يدعي آخرون مع كل حفل افتتاح لأحد مكاتبنا الجديدة في الشرق الأوسط، بأن تركيا تقوم بالتأسيس لحلم عثماني جديد. لقد تلقيت العديد من الرسائل، عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، لاستخدامي كلمة "الحجاز"، في إحدى مقالاتي التي نشرت في الأسابيع الأخيرة، حيث ادعى البعض أن استخدامي لتلك الكلمة (أي الحجاز)، ينم عن وجود أهداف إمبريالية، ووجود رغبة في اتجاه إعادة استعمار المنطقة، وبناء إمبراطورية عثمانية، كما لم تخل بعض الرسائل التي تلقيتها، من عبارات قاسية وشتائم. "الإمبريالية العثمانية والخيانة العربية"إن إدعاءات من قبيل "العثمانية الجديدة"، و"التوسعية"، و"عودة الاستعمار"، تعتبر من المصطلحات الأكثر شيوعاً بين أولئك الذين يريدون خلق وتحفيز وجود تيار معارض لتركيا في العالم العربي، وفي الضفة المقابلة تماماً، نرى وجود تيار يدّعي وقوف العرب إلى جانب الإنكليز في الحرب العالمية الأولى، وقيامهم بغدر الأتراك وطعنهم من الخلف، وخيانتهم للدولة. إن تلك الإدعاءات، الموجودة داخل المجتمعين (العربي والتركي)، لا تجذب السواد الأعظم من أفراد المجتمع، إلا أن المناهج التعليمية في البلاد التي تدور في فلك الغرب وتقع تحت دائرة نفوذه، تفرد مساحات واسعة لمثل تلك الإدعاءات، وأعتقد أن الأشخاص الذين يعملون على ترويج مثل هذه الإدعاءات، لا يمتلكون أفكاراً جيدة تجاه العالم الإسلامي، كما أعتقد بأن الأشخاص الذين يعملون على إنتاج مثل هذه الإدعاءات، وإشاعتها داخل أفراد المجتمع، هم الأشخاص الذين لا يمتلكون وعياً تجاه مفهوم الأمة، ولا يدركون أهمية هذا المفهوم. كان يطرح علي السؤال التالي بشكل مستمر "ما هو الهدف من بث وكالة الأناضول أخباراً باللغة العربية؟"، وكنت أجيب على ذلك السؤال دوماً بالقول: "إن هدفنا من بدء بث أخبار باللغة العربية اعتباراً من 2011، هو نفس الهدف الذي دفع "وكالة فرانس برس" عام 1969، و"رويترز" عام 1980 على إطلاق بث باللغة العربية"، أعتقد أنه من اللافت جداً قيام البعض بتوجيه مثل هذا السؤال لي، في الوقت الذي لا يجدون ضيراً في قيام وكالات غربية، ببث أخبارها باللغة العربية، وافتتاح مكاتب لها في كل زاوية من زوايا الشرق الأوسط، ولا ينبسون ببنت شفة، تجاه تلك الوكالات، ولا يصفونها بأنها جزء من مشروع استعماري، يهدف لاستعمار المنطقة. لقد أثار تكرر طرح هذا السؤال فضولي، فقمت بالتقصي عن الأشخاص الذين يكررون طرح هذا السؤال على مسامعي، وتبين لي أن معظمهم صحافيون، سبق وأن عملوا في وكالة "فرانس برس" و"رويترز"، بصراحة لم أكن مندهشاً أبداً..عالم إسلامي أسير لإعلام الوكالات الغربيةدعونا لا ننسى، أن التبادل الإخباري بين تركيا والعالم العربي، كان يتم من خلال وكالات غربية، إلى أن بدأت وكالة الأناضول للأنباء بث أخبارها باللغة العربية، لقد بقيت وسائل الإعلام التركية الراغبة بالحصول على أخبارٍ حول العالم العربي، ووسائل الإعلام العربية الراغبة بالحصول على أخبار عن تركيا، أسيرة للأخبار التي تنقلها وكالات الأنباء الغربية، قرابة قرن من الزمن.. لم تكن الأخبار المهمة في البلدان العربية وتركيا – بما في ذلك تصريحات رؤساء الدول التي تحمل في طياتها رسائل هامّة - تترجم إلى لغات مختلفة.بل وهنالك ما هو أخطر مما سبق، حيث كانت الوكالات الغربية، تشكل شبكة التواصل في مجال الأخبار بين الدول العربية نفسها، وعليه، فنحن لا نعرف مقدار الأخبار الملفقة، والكاذبة، والتي وقع فيها أخطاءٌ في الترجمة، خلال تلك الفترة، ولعل إدعاءاتٍ من قبيل "الإمبريالية العثمانية" و"الخيانة العربية"، التي أثارت مشاعر العداء بين شعوبنا، قد انتشرت في منطقتنا بهذه الطريقة. أما الآن، فلم نعد أسرى لدى البلدان الغربية، حيث تقوم وكالة الأناضول بترجمة جميع الأخبار المهمة في المنطقة العربية، إلى اللغات التركية والعربية والإنكليزية والفرنسية، كذلك الأخبار الخاصة بالتطورات في تركيا، تترجم إلى 8 لغات، بما في ذلك اللغة العربية، وهذا يعني طبعاً، كسر احتكار الوكالات الغربية لتلك الأخبار، فعل أزعجت كل تلك التطورات أحدهم يا ترى؟. لماذا لا يكون هنالك مشكلة عندما يفعلها الإنكليز أو الفرنسيون؟ لم تطفُ تلك المشاكل على السطح، قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، حيث كانت تركيا تولي وجهها صوب الغرب بشكل كامل، وكانت تمتلك علاقات محدودة جداً مع الدول العربية، وهنا أتساءل عمّا إذا طرحت مثل تلك الانتقادات والتساؤلات في المنطقة العربية، خلال تلك الفترة، وفيما إذا انتقد أولئك الصحافيون كلا من بريطانيا، التي أقامت علاقات سياسية واقتصادية مع مصر، وفرنسا، التي أقامت علاقات مماثلة مع تونس والمغرب، أو اتهموا تلك البلدان بالسعي لـ "إعادة حقبة الاستعمار"؟ إن بدء الصحافة الغربية بكتابة مقالات تحذر فيها من عودة تركيا إلى امتلاك قوة تماثل قوة "للدولة العثمانية"، وقادرة على السيطرة على المنطقة، جاء بالتوازي مع تغيير رجب طيب أردوغان لقواعد العمل السياسي والدبلوماسي في تركيا، وشروعه في إقامة علاقات قوية ومتينة مع جميع الدول العربية، وقد تناقلت بعض الصحف العربية تلك المقالات، وروجت لها.أما اليوم، فلا نجد في تركيا قط، كتابا تربويا يعتبر أن "العرب أقدموا على خيانة العثمانيين"، بل بالعكس تماماً من ذلك، يتم تشجيع النشر باللغة العربية في تركيا، كذلك تشجيع المحال التجارية والشركات، على كتابة لوحاتها التجارية باللغتين التركية والعربية.إن رفع يافطة "العثمانية الجديدة" يتم لتحقيق هدفين محددين، هما، تشويه صورة الدولة العثمانية وتاريخها في المنطقة، ومنع تعزيز العلاقات بين تركيا والدول العربية، وهكذا، تضمن بعض الأطراف استمرار بقاء حالة التشرذم التي تعتري العالم الإسلامي، بعد انهيار الوحدة الإسلامية قبل قرن من الزمن. عندما يمكن قيام "اتحاد أوروبي" ولا يمكن قيام "وحدة في الشرق الأوسط"لقد تمكن الغربيون، من تأسيس "اتحاد أوروبي"، ونسيان حربين ثقيلتين جاءتا على الأخضر واليابس، خلال 50 عامٍ فقط، وتسببتا بقتل الملايين من الناس، ورغم أن جميع الدول الأعضاء في الاتحاد، هي دول مسيحية، إلا أن أحداً لم ينتقد ذلك الاتحاد ولم يفسره على أنه "وحدة للأمة المسيحية"، و"عودة تجسّد روح الحروب الصليبية"، لكن عندما يتعلق الموضوع بالبلدان المسلمة، ترى العالم كله يقف متأهّباً، ويبذل كل ما في وسعه من أجل إجهاض أي جهودٍ تبذل في اتجاه عمل مشترك قد يقوم بين البلدان الإسلامية، أو منع تبلور أي رغبة في اتجاه بناء وحدة ضمن منطقة الشرق الأوسط. لم يكن لديَّ أي نية سيئة، عندما أطلقت مشروع بث الأخبار باللغة العربية في وكالة الأناضول للأنباء، أو عندما استخدمت وصف "الحجاز" للإشارة إلى الأماكن المقدسة بالنسبة لجميع المسلمين، بل لم أكن أعلم حتى أن تلك الكلمة قد تزعج البعض، وقد علمت ذلك للمرة الأولى، من خلال الرسائل التي وصلتني على حسابي، في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". على العالم الإسلامي التخلص من المحظورات والممنوعات، والادعاءات الكاذبة، وعلينا تذكر أن "الهُوّة الحضارية" التي تفصلنا عن الحضارة الغربية، تقارب ال 100 عام، حيث حققوا تقدّماً فيما تأخّرنا، ولم تشهد بلدانهم منذ الحرب العالمية الثانية حروباً، ولا إرهاباً، ولا فوضى، فيما زالت تشهد بلداننا معاناةً أليمة، وسيلا من الدموع، ونزيفا غير منقطع من دماء الإخوة منذ مائة عام. متى سنقول "كفى" لكل ما يحدث، ومتى سنبدأ بالعمل من أجل إيجاد حلول لكل المشاكل العظيمة التي تواجهنا؟..