11 سبتمبر 2025

تسجيل

من ملابسهم فقط

18 مارس 2014

عندما كنت في مرحلة دراستي للبكلاريوس، السنة الثانية تحديدا، كانت معنا زميلة "غير متحجبة"، وكانت الفتيات بالدفعة يرمونها بنظرات الازدراء والترفع، نظرات ثاقبة وكأنهم قد جردوها من الإيمان والتقوى والعمل الصالح. كانت فتاة مجتهدة، لا أعرفها عن كثب ولكني كنت أرى دون قصد للمراقبة تصرفات البعض لها، معاملتهن، نظراتهن التي توحي بأنها أخلت بموازين المجتمع، وداست على الأعراف، ورمت بتعاليم الدين عرض الحائط لأنها غير متحجبة!انتقلنا للسنة الثالثة، واجبرتنا بعض المقررات أن نعمل كمجموعات في بعض المشاريع الدراسية، فكانت معي مصادفة في احدى المجموعات تلك الزميلة غير المحجبة، فاصبح لزاما علينا الجلوس معها لساعات متواصلة للعمل وانجاز المشاريع الجامعية، والذي لم استغربه البته انها كانت تهرع للصلاة حين ينادي المؤذن، وكانت تنهرنا إذا سمعت بعض الغيبة والبهتان أو أبصرت بعض من الهمز واللمز، والأجمل أنها كانت تكرر دائما، لا أحب أن أرى الناس بنظرة التمحيص والتدقيق فإني هنا لم أخلق لأقوم بهذا الدور.في الطرف الآخر بعض من الفتيات المحجبات أو حتى المنقبات، يؤخرن الصلاة دون اكتراث بحجة أن الحمامات بالجامعة متسخة ويصعب الوضوء فيها، ويقضين الساعات الطوال في الغيبة والقهقهة على "فلان وعلان"، يتبرجن تبرج الجاهلية وهم باللبس الملتزم! يتناقضن كثيرا ويتلّوّن بمليون لون..!في "الإنستجرام" وضعت إحدى الأخوات جزءا من مقابلة على هيئة فيديو للاعلامية "حليمة بولند" وهي تتحدث عن أدائها للعمرة وكيف قضتها في الصلاة والاستغفار والدعاء بأن يكون مثواها الجنة.. وحينما ذكرت الجنة سبقتها دموعها فبكت.. المؤسف أن الناس جميعهم كانوا يضحكون ويستهزئون بها وبإيمانها وكرروا كثير عبارة: "من صجها؟!"، الإجابة "نعم من صجها" لأن حليمة قد تكون أقرب إلى الله منكن جميعا. هذه أمور لا يعلمها إلا الله.مازلت أتذكر، حينما خرجت مع زميلاتي لإحدى المجمعات، مر بنا رجل لحيته مُطلقة وكثيفة، ثوبه أقصر من المعتاد، تظهر عليه علامات التدين والالتزام، إلا أنه ـ رغم تلك العلامات ـ كان يلاحقنا بنظراته، يراقب مشينا ولبسنا وطريقة أكلنا! حتى نطقت إحدى الصديقات ما لم أتمنى سماعه: "متدين ويغازل"!أعرف إحدى الفتيات المنقبات التي تحاجج في كل مجلس وتحاول أن تقنع الجميع بوجوب النقاب من خلال القرآن والسنة، وتبذل الجهد الجهيد لتغير الآراء من حولها، وتنجح في معظم الأحيان، إلا أنني في إحدى المرات جلست مع والدتها فأخذت تبكي بحرقة وهي تشكو سوء معاملتها، ولا أنسى عبارة والدتها حين قالت: "شفايدة النقاب واهيه ما تبر أمها!"إحدى الفتيات تنهر كل من يسمع "الموسيقى بأي شكل من الأشكال" وتتحدث بالدين وكأنها من كمّلها الله بين الأنام، إلا أنني في كل اسبوع أعرف من القاصي والداني أنها تقض مضجعهم بعبارات مسيئة، تخلق المشكلات والفتن بطرق ابداعية، كل من يذكر اسمها يردفه بصفة اللاخلق.. أين الدين إذن؟الحديث في هذا الموضوع طويل، والمواقف لا تعد ولا تحصى، وأنا اليوم أكتب في هذا الشأن لا لأثبت للعالم بأن المنقبات والملتحين على خطأ أو لأثبت أن السافرات والحليقين على صواب، بل لأذكر نفسي وإياكم بإننا خلقنا لا لنصنف الناس بناء على مظهرهم ونحن لا نعرف الجوهر، البعض يحكم على إيمان الناس من ملابسهم فقط، فيشفعون للمنقبة والملتحي الكبائر ويحبطون لتلك الفتاة أعمال الخير العظيمة لأنها سافرة! هيهات يا ابن آدم، لم نخلق لنحاسب الناس، ولنصنفهم ونمنحهم مراتبهم من الجنة ومقاعدهم من النار.