01 أكتوبر 2025

تسجيل

تسليح المعارضة السورية.. والكيل بمكيالين!

18 مارس 2013

لاريب أن الشعب السوري الذي يعاني الويلات من اللانظام الأسدي وعصابته المجرمة وأعوانه المشاركين قد عيل صبره، ومع ذلك فهو يصطبر لأنه لم يعد يجد سبيلا خيرا من ذلك، لاسيما أن بعض بوارق الأمل تشع له يوميا بل كل ساعة بانتصارات الجيش الحر النوعية والمتلاحقة والتي يؤمل هذا الشعب أن تقض مضجع اللانظام، ولاسيَّما أيضا أن هذا الشعب كما كان يدرك في نصوص تراثه وأدبياته أن الحرب سجال فهي اليوم وعبر السنن الكونية في الزمن سجال بل كانت هكذا حتى بين الأنبياء والرافضين لدعواتهم النبيلة، وإذا كانت هذه هي سنة الحياة في فهم الصراع بين بني البشر فكريا في السلم وميدانيا في الحرب، فكيف يسعى الإنسان حتى بوصفه إنسانا العدول عنها وهي دمه وطبعه وهذا ما عبر عنه المتنبي حين نبهنا لفهم أمزجة الناس: كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سنانا فحب التغلب ديدنه حتى إنه ليصنع من غصن الشجرة رمحا ليقتل به أخاه الإنسان ومع أن الإسلام العظيم دعا إلى الصلح وأنه خير فقد بين أنه إنما يكون خيرا لمن يريد الصلح ويعدل مع أخيه ولا يسلبه حقه تحت أي ظرف مهما كان اتجاهه ومذهبه ومن هنا أكد ابن تيمية النصح بقوله: "كن مع الحق وإن كان صاحبه بعيدا بغيضا ولا تكن مع الباطل وإن كان صاحبه قريبا حبيبا". وهو تفسير لقوله تعالى: [ولا يجر منكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى] (المائدة:8) ومن هنا ندرك أيضا أنه كما قال المسيح عليه السلام: إن واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير اللؤلؤ والمرجان! فكذلك من أخذ أهبته للحوار الجاد مع من هو هازل به بل متخذ إياه لعبته لشراء الوقت كي يزيد في عداد الموت تجاه المدنيين والمعارضين لاسيما أنه قد تأصل فيه فزاد قسوة في استعماله وكانت جميع البراهين النظرية والميدانية تدل عليه، لا يمكن البتة أن يصلح معه هذا السلاح المعنوي الفعال إن كانت ثمة جدوى منه، ولذلك فإذا لم ينفع فلابد تطبيقا للسنن الكونية أن يصار إلى السلاح المادي في الصراع لحسم النزاع وقذف المعتدي الباغي المتغطرس في القاع، وهذا ما نلحظه اليوم في القضية السورية التي لم يعد يعرف الكثيرون أو عرفوا وتغافلوا أو تآمروا أن حل عقدتها إنما يكون بالاستعداد والقوة فإنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وكما قالت العرب إن القتل أنفى للقتل، فإذا أردت أن تحمل العدو على حل سلمي أو تصالحي فلابد لك من ذلك وأن تعمل أقصى ما تطيق وأن تحتمل الآلام والشدائد لبلوغ الهدف فما نيل المطالب بالتمني وإنما بالأشواك وبناء قابلية التحدي على ما ذكره مالك بن نبي في كتابه "شروط النهضة" ولو أننا فهمنا ما أوضحه الله لنا في هذا الصدد لكان كافيا [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم] (الأنفال: الآية60) إذ يحسن أن نعرف حدود التكليف بإعداد هذه القوة إلى أقصاها بحيث لا نقعد عن سبب من أسبابها إلا وندخل في طاقتها لإلقاء الرعب والرهبة في قلوب الأعداء من جهدنا وإفادتنا من قوة غيرنا من العرب والمسلمين بل وغيرهم إذا سمح لنا الشرع في حالة أن أصبحنا على شفا هلكة فحفظ الأنفس مقدم عند ذلك لأن فيه حفظا للدين نفسه كما قال العز بن عبدالسلام، وكذلك إخافة من يعين العدو المباشر حيث يتقوى بحبله وهو ما رمى إليه من المفسرين مجاهد ومقاتل وقتادة بأنهم في نص الآية هم بنو قريظة من اليهود وقال السدي هم أهل فارس وقال الحسن وابن زيد هم المنافقون، أليست هذه النماذج السيئة المحرمة تكرر في المشهد السوري اليوم حيث تلعب إسرائيل الدور الميداني الحقيقي في توجيه الصراع وتنفذ أجندتها المجوس في إيران ويعمل المنافقون من اللانظام على فعل ذلك من انتهازيين وشبيحة، وعلى هذا فقد تأخر جدا أمر تسليح المعارضة السورية الذي طرحته فرنسا وبريطانيا وأيدته بعد ذلك أمريكا، من باب أن هذا اللانظام لم يستجب لأي حل سياسي فقد فشلت جميع المبادرات المحلية والإقليمية والدولية في ذلك، وكم حذرنا وأكدنا أن طبيعة هذا اللانظام عدم قبول أي مبادرة إنسانية أو سياسية لحل القضية لأنه يلتف عليها ويدرك تماما أنه إذا قبلها كانت فيها نهايته المحتومة، ومن تربى على القتل والجريمة لا يمكن له بتاتا أن ينتقل إلى السلام فتركيبته الأمنية بطبعه الحاقد وتأييد الحاقدين مثله مذهبيا أو مكيافيليا كإيران وروسيا بل اشتراكهما معه تشجعه على ذلك، فهل يكون ثمة دواء ناجع له إلا المناجزة بمثل ما يناجز به من سلاح فتاك، إلا أنه لم يعد بوسعنا أن نصبر على من كانوا ومازالوا يلعبون بالدماء السورية أعني أمريكا نفسها حيث أخذت تبدل موقفها وكذلك بريطانيا أمام إصرار الأوروبيين على عدم رفع الحظر عن الأسلحة للمعارضة وربما تعود فرنسا المتقلبة بحجج واهية عن موقفها، مع أن جوبييه وزير الخارجية السابق عزز موقف فابيوس وزير الخارجية الحالي بالمضي في هذا الاتجاه للضغط على الأسد والقبول بحل يقود إلى حكومة انتقالية وفق اتفاقية جنيف، لكننا نرى أنه إذا ما مكن الجيش الحر من السلاح النوعي فإنه سيكون مستعدا لمعركة سورية والعاصمة الكبرى بل ويفرض شروطه بالقوة، ومن جهة أخرى فإن الروس سيجدون أنهم ضعفاء أمام شل فاعلية الشعب، وإنهم كما سقطوا في أفغانستان بتدمير طيرانهم بصواريخ استينغر كسبب من الأسباب فإن هذا ما سيقع في سوريا ويخلص الشعب المظلوم من هستريا الإجرام الأسدي ولا عجب أن يكون هذا هو السبيل الوحيد لتغيير الواقع وإنه لا قيمة معتبرة لما تتذرع به بعض الدول الغربية من عدم تسليح المعارضة وهو ما تحثهم عليه إسرائيل بقوة من أن السلاح سيكون بأيدي المتطرفين أو سيؤدي إلى حرب أهلية كما استنكر رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، وإننا نستنكر بدورنا كذلك هذا الصمت الدولي الرهيب إزاء تصريح علي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني أن الأسد رئيس شرعي وقانوي وسيرشح نفسه للانتخابات القادمة وسيفوز! إذ لم ينبس أحد ممن يدعون دعمهم للثورة أن هذا لن يكون وإن الواقع على الأرض في تعاملهم مع الثورة لا يدل على ذلك مما يستنتج منه أن صالحي إنما يعبر عن موقف إيران المتواطئ حقيقة مع الغرب وإسرائيل وروسيا وغيرها لكسب الوقت والمصير إلى حل يفضي إلى إبقاء الأسد السفاح ثم يعملون على حل ترقيعي يظنون أن شعبنا البطل سيرضى به، خسئوا وخابوا، وإن هذا المجتمع الدولي لهو المتآمر حتى على دول الخليج ليتركها وحيدة تؤدي بعض ما عليها للثورة، لا ريب أننا في سباق مع الزمن اليوم ويجب على الساسة وقواد الجيش الحر المخلصين أن يحذروا كثيرا حتى من فرنسا التي اعتدت في مالي دون وجه حق.