17 سبتمبر 2025

تسجيل

المشهد الثقافي السعودي بين التجديد والرفض

18 مارس 2012

في أحسن الأحوال تصنف الجدليات الظاهرة في المجتمع السعودي على أنها حراك متوافق مع العصر وآلياته التقنية الواسعة رغم ما يبدو أحياناً من الحدة في التجاذب والتغريد المفعم بالأفكار المنحازة إلى مسارين. الأول المحافظة ونبذ التجديد والآخر الدعوة إلى نقيضه بالانعتاق من عمومية الفكر الواحد وأطروحاته الفقهية المتشددة في بعض الجوانب الحياتية وتلك حالة تقابل بالالتزام التام بمقتضيات الموروث وسماته التي ترسم الملمح الرئيسي للمجتمع وشخصية خطابه العام لاسيَّما والمجتمع السعودي يجدد امتحان قدراته بين المحافظة والتجديد المتقن في الكثير من المناسبات المتكررة كمهرجان الجنادرية ومعرض الكتاب وغيرها من المناسبات كملتقى الأدباء أو فعاليات الـ 16 نادياً أدبياً المتنوعة والواسعة تبعاً لمساحة البلاد الشاسعة 2.25 مليون كيلو متر مربع والتي قدمت لها الدولة العام الماضي دعماً استثنائياً بمقدار 10 ملايين ريال لكل ناد إضافة إلى إقرار انتخابات مجالس إدارتها بعد أن كانت بالتعيين. وفي مناسبة معرض الكتاب الأخير في الرياض الذي اختتم الجمعة الماضي كانت البلاد بعموم مكونها تحت المجهر لقياس تلك القدرة " المحافظة والتجديد " ليس في مجال حضور المرأة الظاهر والمكثف فقط والتي تبرز حوله بؤر التجاذب والاستفزاز وهو أمر محسوم تبعاً للأجندة الرسمية التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح دور الانعقاد الحالي لمجلس الشورى السعودي بالتوجه نحو فتح المجال لمشاركة واسعة للمرأة السعودية في مجلس الشورى والمجالس والانتخابات البلدية في الدورات الجديدة القادمة ووفقاً لمحددات الشريعة الإسلامية حسب خطاب الملك. فالمسألة في الحراك والتجاذب ليست محددة فيما يخص المرأة وحضورها أو حتى قيادتها للسيارة بل تجنح الظاهرة وأعني التجديد بعمومه نحو الخوض في نتاج الفكر وحضور مختلف الآراء جنباً إلى جنب في أرفف المعرض المتنامي بدور فاعل في المهمة التجديدية التي تولي الحضور أهمية بالغة خاصة لمن كانت تفرض حولهم محددات معينة للحضور ضمن المشهد العام والمشاركة في أطروحاته وهي بلا شك ظاهرة صحية توسع نطاق الاحتواء وتحتفل بالمنتج الناضج المتوافق مع أدبيات المرحلة. لذلك لم نسمع خلال المعرض الحالي عن الحضور المعتاد والمكثف للرقيب فقد فتحت الأرفف للكتب المتنوعة وبرزت أسماء لمؤلفين ربما غيبهم الرقيب سابقاً حتى لم يعد النقاش في هذا الموضوع ظاهراً أو متداولاً بين الرواد أو حتى المغردين وظلت الأريحية في العرض سمة ممارسة بين الناشرين والرواد مما جعل المعرض الذي اكتظ بملايين العناوين والزوار ناجحاً بالمقاييس المعتادة في مثل فعاليته وتلك تجربة جديدة لمثل هذه المناسبات في السعودية عطلت آلة الحنق المعتادة التي تنشط للنقد لأتفه الأسباب وربما الاستعداء للنيل من جهات التنظيم وبذلك تكون وزارة الثقافة والإعلام بهذا الأداء قد نجحت في جانب مهم وهو التعويل على ثقافة المتلقي وميوله بعيداً عن المنع أو التحريض لجهة أو ميول معين أو ضد الآخر بل كانت المساحة متاحة للجميع ووفق ذوقية يلتزمون بها ويقدرونها سلفاً. إذاً نستخلص هنا نجاحاً آخر لا يقل أهمية عن نجاح الوزارة الظاهر في المعرض وهو القدرة على فرض كل الحلول للتجديد بتكثيف المناسبات وترك المجال للمجتمع لتحديد هوية تعاطيه ومستويات قبوله. وتبقى فرضية الوجل القائم من استغلال ظروف الجدل للاندساس بتعميم أفكار منحازة ضد مسلمات المشهد ومقوماته والإخلال بالحالة العامة وهي فرضية قائمة ومتداولة بيد أن الفكر الصافي والعمل المخلص لا تعطله أبداً حالات فردية أو أصوات متباعدة تكرس عملها للنيل من المجتمع. إضافة إلى أن القدرات الإعلامية السعودية الواسعة الآن والتي يمارسها جيل واسع من المثقفين ممن يجيدون لغة العصر وأدواته يرسمون صورة بناءة نحو المجتمع وفي كل المحافل. [email protected]