19 سبتمبر 2025

تسجيل

خليفة بن شاهين الكواري في ذاكرة التراث القطري

18 فبراير 2019

◄ عرف عنه روايته للعديد من أحداث قطر التاريخية والاجتماعية القديمة ◄ عاصر مجتمع الغوص وأهل البحر وامتلك ذاكرة ثرية في الأدب الشعبي ◄ اشتهر بحبه للعمل الخيري وصلته بالأرحام وتفقده لأحوال الناس باستمرار ◄ دونت منه الكثير من موروثنا وتراثنا الشعبي الأصيل ومجالاته المختلفة لا اخفي على القارئ الكريم مدى تعلقي وشغفي الكبير بالرعيل الاول من كبار السن في قطر وتقربي منهم والجلوس معهم على مدى العقود الاربعة الماضية من عمري.. فمنذ صغري وانا مهتم بمصاحبة هذا الجيل من الرجال والنساء الذين قدموا الكثير لهذا الوطن واثروا الساحة التراثية والشعبية والتاريخية بما يمتلكون من معلومات واحداث تاريخية واجتماعية لا يستهان بها .. وذلك لكونهم ايضا بمثابة المخزون للذاكرة الوطنية لهذا المجتمع .. فنهلت منهم ما تيسر لي بجمعه من تاريخ وفنون واشعار شعبية وحكايات وقصص واحداث تمت لحياة الغوص على اللؤلؤ قبل اكتشاف النفط في قطر .. كما ان هذا الجيل عاصر ايضا حياة العسر والفاقة في تلك الايام وعمل في البحر الذي كان يمثل له مصدر الرزق الاول لكسب المعيشة وممارسة التجارة والصبر على تحدياتها بحلوها ومرها رغم الصعاب .. إلا ان ذلك الجيل عرف عنه بأنه يتحلى بالصبر والثبات عند الشدائد من اجل حياة كريمة قوامها بناء الانسان القطري وتمكينه من نيل نصيبه في الحياة الآمنة رغم ما شابها من بعض العوامل التي كانت خارجة عن ارادتهم عليهم رحمة الله جميعا. ◄ والوالد خليفة الكواري: واسمه خليفة بن شاهين بن عبدالله ال طوار الكواري (1929 - 2019) عاش ما يقارب من الـ ( 90 ) سنة .. وهو من الذين عاشوا في شمال شرق قطر الساحلي حيث كانت ولادته هناك ، كما عاش لفترة من الزمن في بلدة ( سميسمة ) ، ثم انتقل للسكن في الدوحة (فريج الزامل بابن عمران ومنطقة دحيل) .. وعاش في بلدة ( فويرط ) مع جماعته من ( ال طوار من ال بوكوارة ) .. وهناك اختلط بالكثير من كبار الاعيان والوجهاء الذين عاصرهم وجالسهم .. ووالده هو ( شاهين بن عبدالله ال طوار الكواري ) من الذين ركبوا البحر وعاصر حياة الغوص على اللؤلؤ حتى فترة كساد اللؤلؤ وكانت وفاته في سبعينيات القرن الماضي (رحمه الله) . ◄ معاصرته لحقبة الغوص: عاصر الفقيد خليفة بن شاهين الكواري مجتمع الغوص على اللؤلؤ وركب البحر منذ صغره برفقة والده وابناء عمه من البوكوارة وعمل في اسفار الغوص ورحلاته التي لم تنقطع خلال مواسمه ورحلاته بجانب رحلات الصيد والاسفار والتنقل بين المدن الساحلية في قطر أو في الدول المجاورة .. وبدأ عمله في البحر أولا برتبة سيب (وهو مساعد الغواص) ثم برتبة غيص (اي غواص وهو الذي ينزل إلى قاع البحر بحثا عن صيد اللؤلؤ الذي يوجد بداخل المحار) .. كما كان من افراد السفينة الذين يساعدون البحارة بهمة عالية ولا تخلو مهمته من الاستئناس مع طاقم السفينة من خلال احاديث السمر وقت العبّاط (الاستراحة) حيث كان الفقيد انيسا ومبتسما طوال ايام حياته مع الجميع كما كان كثير المداعبة لاصدقائه بفضل صدره الواسع وتذكر زمن الاجداد .. وبعد كساد الغوص على اللؤلؤ عمل في الحكومة ومنها العمل في شركة النفط ثم في بعض القطاعات الاخرى حتى تقاعده عن العمل قبل عدة سنوات. ◄ الذاكرة الشعبية: جالست الفقيد لسنوات طويلة.. ودونت منه العديد من المأثورات وفنون الادب الشعبي القطري بمجالاته المختلفة .. كما كان – رحمه الله - حافظا جيدا للموروث القطري مثل: الاشعار النبطية - الالغاز والاحاجي الشعبية - المعاضلات اللسانية - الاحداث التاريخية والاجتماعية - مصطلحات الغوص وحياة البحر - السير الذاتية لأعلام مجتمع الغوص في شمال قطر - أسماء السفن وانواعها في قطر - القصص الشعبي .. وغيرها .. هذا بجانب حفظه لأشعار العرضة القطرية وكان راويا جيدا في ترديدها باستمرار .. وقبل سنوات قام الاعلامي والمذيع ( تيسير عبدالله ) بإجراء مقابلة تلفزيونية من الراوي الشعبي خليفة بن شاهين الكواري وقدمت في تلفزيون قطر تحدث فيها عن حياة اهل قطر في الماضي كما تحدث عن عملهم في الشركة ( شركة النفط ) في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. ◄ علاقاته الاجتماعية: للفقيد الكثير من الاقارب والاصدقاء الذين كان يصلهم ولا ينقطع عن زيارتهم طوال فترة حياته من باب المحبة والترفيه عن النفس وصلة الارحام .. وهذه السمات كانت من خصاله الجميلة التي عرفت عنه والتزم بها طوال ايام حياته .. إلا ان الوعكة الصحية التي ألمت به منذ سنوات ألزمته فراش المرض .. فقد كان - رحمه الله – من المتواصلين مع جميع الناس .. وكانت لقاءاته لكل هؤلاء على فترتين صباحية ومسائية ودون انقطاع وهذا اكبر دليل على محبته للغير ومحبة الناس له .. والدليل على ذلك انه عندما مرض كان الجميع يريد ان يتواصل معه ليطمئن على صحته والسؤال عن احواله حتى قبيل وفاته .. ◄ مجلس الثلاثاء: كان الراحل يحرص على تخصيص احد ايام الاسبوع للقاء الاحبة والاصدقاء والجيران في بيته .. فخصص يوم الثلاثاء (جلسة الثلاثاء) في مجلسه الخاص بمنطقة الدحيل ليلتقي فيه بأبناء الحي والاقارب على مائدة كبيرة من الطعام .. وكان يمتد وقت المجلس بعد صلاة العصر مباشرة وحتى ما بعد صلاة العشاء .. وفي المجلس كانت تدور الاحاديث عن اهل قطر القدماء وموروثنا الشعبي الذي لا يخلو من الطرافة عبر حديث ذلك الزمن الجميل قبل اكتشاف النفط وكذلك من بعده خلال العمل في الشركة وتحول الناس إلى بيئة مختلفة عن سابقتها .. وعبر مجلس الثلاثاء كان الوالد خليفة بن شاهين سخيا وكريما مع ضيوفه .. وامتد هذا السخاء ليقيم ايضا مأدبة غداء بشكل اسبوعي (يوم الجمعة) في بيته الخاص ببلدة ( فويرط ) مسقط رأسه .. والمأدبة تمتد لفترة طويلة حيث يحضرها كل المدعوين من اهالي الدوحة ومناطق قطر الشمالية على وجه الخصوص. ◄ أسرته وذريته: تزوج الراوي الوالد خليفة الكواري عام 1960 م في مدينة (سميسمة) من ابنة المرحوم ماجد بن محمد ال زامل الكواري .. ورزق بعدد من البنات .. ولديه من الاولاد: محمد – عبدالله – فاضل – شاهين – ماجد – مبارك .. وليس لديه اي من الاخوة .. وله من الاعمام ( عبدالله وفاضل ) بن عبدالله ال طوار الكواري رحمهما الله .. اما جده من جهة الأب فهو (عبداالله بن شاهين ال طوار الكواري) رحمه الله .. وله شقيقة واحدة تزوجها السيد أحمد بن خميس الزامل الكواري. ◄ صلته بالأرحام وأعماله الخيرية: عرف عن الراوي الشعبي أيضا حبه لصلة الارحام التي تربى عليها منذ صغره وورثها من والده واجداده .. وكان ملتزما بهذا العمل الذي حث عليه دينه الحنيف.. حيث لم يكن دوره مقتصرا على زيارة الرجال فقط بل حتى كبار السن من قريباته من النساء .. كما كان ايضا مولعا ببناء المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم في الخارج ومنها مشاريعه الخيرية في (بلاد الهند) لينتقع بها كافة المسلمين هناك وكان يشرف بنفسه شخصيا على تشييدها ومتابعتها حتى يتم انجازها .. وهذا جعله ينفق الكثير من امواله في هذا الجانب الانساني الذي كان يهتم به ويركز عليه من اجل نيل الثواب والأجر من الله تعالى. ◄ مرضه ووفاته: ظل الفقيد يعاني من وعكة صحية ألمت به منذ سنوات .. كان خلالها طريح الفراش .. ورغم ذلك كان صابرا راضيا محتسبا بقضاء الله وقدره .. حتى انتقل إلى جوار ربه ودفن في مقبرة مسيمير بمدينة الدوحة بعد صلاة عصر يوم الجمعة 15 فبراير 2019 م .. رحمه الله رحمة واسعة وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون. كلمة اخيرة هؤلاء الرواة والاخباريين يستحقون منا المزيد من تسليط الضوء عليهم لتوثيق مسيرتهم الطويلة مع رحلة الادب الشعبي القطري والحياة الاجتماعية قبل وبعد اكتشاف النفط لكي نحفظ هذه السيرة العطرة للاجيال الحالية والقادمة لينهلوا منها الجوانب الايجابية الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى .. وليسهموا بعد ذلك في إثراء الساحة لبناء مستقبل أفضل من اجل هذا الوطن نحو مزيد من النماء والرخاء بإذن الله تعالى. [email protected]