28 أكتوبر 2025

تسجيل

الرئيس المرتشي!

18 فبراير 2018

عادة ما يتم التغاضي عن فساد رأس الدولة في أغلب دول العالم، إلا أن الأمر مختلف في إسرائيل، فالشرطة الإسرائيلية التي تتهم رئيس الوزراء المنتخب بنيامين نتنياهو بأنه تلقى رشوة ربما تمهد الطريق لابعاده عن الحياة السياسية مرة وللأبد. وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها الاجهزة الإسرائيلية المختصة بمحاكمة رئيس وزراء أو رئيس دولة  إذ سبق أن تم الاطاحة ببعض رؤساء الوزارات من أمثال ايهود اولمرت وزج رئيس الدولة كاتساف بالسجن بتهمة التحرش الجنسي. غير أن فساد نتنياهو – الذي حاول تشتيت الانتباه عليه باتباع سياسة خارجية يدغدغ فيها آمال واحلام وعواطف اليمين المتطرف – وصل إلى نقطة لم يعد فيها النظام السياسي يحتمله، وتفيد التحليلات الإسرائيلية بأن أيامه في الحكم باتت معدودة. واللافت أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية والتي غالبا ما تحاكي الواقع تفيد بأن حزب الليكود سيفوز في الانتخابات لو أجريت اليوم ولن ينافسه في ذلك إلا حزب هناك مستقبل بقيادة يائير لبيد الذي سيحتل المرتبة الثانية تاركا الاتحاد الصهيوني في المركز الثالث. بمعنى أن الليكود لن يعاني من فساد نتنياهو لأن النظام يسمح بمحاسبة الفاسد ما يعفي الحزب من المسؤولية، والقضية الابرز ضد نتنياهو تتعلق بتلقيه شامبين وسيجار ومجوهرات وملابس بقيمة مليون شيكل، وارتفعت قيمة الهدايا التي تلقاها بعد اعادة انتخابه من قبل منتج بهوليوود. هذا بالإضافة للقضية الأخرى المرتبطة بالعلاقة بين نتنياهو وناشر صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أرنون موزيس والتي يستفيد منها الطرفان. من دون شك، سيتهم نتنياهو خصومه السياسيين بمحاولة الانقلاب عليه، وربما شكلت شهادة يائير لبيد ضده في القضية هاجسا لدى مكتب نتنياهو بأن المعارضة هي من دبرت الأمر للإطاحة به، غير أن استطلاعات الرأي أيضا تكشف عن أغلبية لا تثق بما يقوله نتنياهو بهذه النقطة على وجه التحديد، بمعنى ان فجوة الثقة بين الجمهور ورئيس الوزراء تنامت إلى درجة سيشكل استمراره رئيسا لحزبه عبئا إضافيا قد يتحول إلى خسارة سياسية للحزب. وبعيدا عن حكاية الرئيس المرتشي، فالقضاء الإسرائيلي سيبت بالأمر، لكن الدرس الحقيقي الذي علينا كعرب أن نتعلمه من هذه الحادثة هو أن إسرائيل التي تحتل أرضا فلسطينية وتقيم مستوطنا وتتنكر لحقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم والتي تميز ضد مواطنيها الفلسطينيين هي دولة يسود فيها القانون حتى على رئيس الوزراء، وكأنهم يقولون للجميع بأن لا أحد فوق القانون. ربما أن هذا هو أحد أهم أسباب قوة إسرائيل كمجتمع في التعامل مع التحديات، فنتنياهو لم يقتل يهوديا واحدا للبقاء والاستئثار بالسلطة وهذا بدوره يجبرنا إلى الالتفات إلى أن احد أهم أسباب ضعف المجتمعات العربية في التصدي للتحديات الجسيمة هو الاستئثار بالسلطة والاستعداد لسفك الدماء من أجلها، فهي غاية بحد ذاتها في حين أنها في إسرائيل وسيلة لتحقيق برامج معدة ومدروسة. لا أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية ستطيح بالمنافسين، ولا أعتقد أنها ستعتقل من يترشح ضد نتنياهو أو ضد من يخلفه في رئاسة الحزب، فالمسألة برمتها تحسم في صناديق الاقتراع. بكلمة، ستبقى إسرائيل العدو الدائم ما دامت تتنكر لحقوق الفلسطينيين لكن هذا لا يمنع من أن ندرس التجربة الإسرائيلية جيدا في كيفية إدارة شؤون الدولة والتنافس على السلطة، فهي دولة ليست كاملة لكنها أوجدت آليات للحكم ومعايير يحتكم إليها المتنافسون الأمر الذي غاب عن مصر على سبيل المثال إذ يذهب الجنرال السيسي إلى صناديق الاقتراع من دون منافس وكأن الأمر دبر في ليل.