18 سبتمبر 2025
تسجيلبات العالم كله يعرف حقيقة ما يجري بالخليج، ويعرف من كان وراء الشرارة الأولى لهذه الأزمة غير العاقلة، التي وضحت دون مجال لشك أو ريبة، أن إمارة أبوظبي خلفها وهي من تديرها منذ ارتكاب الخطأ الشنيع غير الأخلاقي المتمثل في اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، وبث أخبار مفبركة، فالتقاطها عبر سكاي نيوز أبوظبي وشقيقتها العربية، ثم نشر تلك الأخبار المفبركة في ليلة ليلاء مظلمة غادرة، والتوسع فيها عبر جوقة من صحفيين ومرتزقة إعلاميين، خلطوا الحابل بالنابل، إلى بقية القصة المعروفة، والمستمرة إلى اليوم.. واضح مما يجري أن معسكر الرباعي المتأزم، صار يتأزم أكثر فأكثر، وبدأت علامات التفكك تبدو عليه أكثر وضوحاً، واختلطت أوراقهم بأحلامهم وأمانيهم، فصاروا كالمنبت، لا أرضاً قطع ولا ظهرا أبقى .. فالعالم بدأ يستهجن هذا الفجور في الخصومة الصادرة من هذا المعسكر غير الناضج، وبدأ يدرك أن الأزمة كلها مفتعلة لحاجات في نفوس الرباعي أو بعضهم على أقل تقدير، وبات هذا العالم ينتظر دليلاً مادياً واحداً يثبت صحة مزاعمهم التي بدأوا بالإعلان عنها منذ ليلة الغدر في الخامس من يونيو الفائت، وأزعجوا بها الجميع وصدعوا الرؤوس، حتى إذا ما أيقن هذ المعسكر أنه لا جدوى من الاستمرار في بث تلك المزاعم صبح مساء، والتي ظلوا يلوكونها طيلة أشهر سبعة، بدأوا في التحول عن السيناريو المرسوم ذاك، للعمل على لفت الأنظار بصورة مختلفة عبر اختلاق أحداث وقصص سينمائية، بغية استدراج الدوحة لخطأ ما، يمكنهم به استغلاله إعلامياً والتشهير بها، ولعل آخرها قصة حرب الأجواء التي وقعت قبل أيام، للتغطية على فضيحة احتجاز الشيخ عبدالله بن علي والقصة المعروفة للجميع. أبوظبي ما عادت الآن تهتم بالسمعة الدولية لها، فإن تغلغلها في كثير من نقاط الخلاف وبؤر الأزمات هنا وهناك، والسير عكس التيار العاقل، تدفعها إلى تلك الحماقات أوهام السيطرة والتوسع ومد النفوذ، مستعينة بفوائض النفط، جعلتها تتمادى في الخصومة والفجور ومحاولة فرض الأمر الواقع بقوة الساعد والسلاح والمال، حتى وإن خالفت كل الأعراف والقوانين، كما تفعل تماماً الدولة الإسرائيلية، دون أن تدرك بأن مآلات أعمالها خطيرة وأنها تحدث هزات ارتدادية شبيهة بأحداث الزلازل، تكون نتيجتها عكسية ومدمرة لها قبل غيرها.. لكنها لا تريد أن تفقه مثل هذه الحقائق والسنن الكونية، ولا تريد أن تأخذ العبرة والعظة من أحداث التاريخ، ولا تريد أن تدرك وتوقن بأن الظلم مرتعه وخيم، وعلى الباغي تدور الدوائر، مصداقاً لقوله تعالى (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم). أبوظبي وأوهام التوسع ما أريد الوصول إليه، ان أوهام التوسع والتمدد تسيطر على شيوخ أبوظبي، تدفعهم إلى تصديق تلك الأوهام، بطانة مرتزقة تتكون من دوائر عدة، لها مصالحها وأجندتها، تستخدم تلك الأوهام بحرفية، مستعينين بفوائض النفط الباقية، للدفع بهم في تجارب تجسيد تلك الأوهام على الأرض، وتحقيق حلم الزعامة والسيطرة على المنطقة وقيادتها، وإن صاحبتها الكثير من المخاطر والخسائر. وما اختلاق وصناعة أزمة الخليج إلا واحدة من تلك الوسائل. لقد وضح، وما زالت الأمور تتضح أكثر يوماً بعد يوم، أن الهدف الخفي من أزمة الخليج والذي ما عاد خفياً، هو توريط القوة الكبيرة بالمنطقة وهي السعودية، في مآزق وأزمات شتى، أهمها اليمن. باعتبار أن السعودية هي حجر عثرة أمام أوهام الزعامة التي تسيطر على شيوخ أبوظبي، حتى تنشغل السعودية بالورطة اليمنية حيناً من الدهر، وتتلقى اللوم والنقد من المجتمع الدولي لوحدها، فيما هي تنسل من الحدث وتنشغل بالعمل على فصل اليمن لشمال وجنوب، كي تضم الجنوب إليها وتسيطر على خيراتها وموانئها وجزرها وأهمها سقطرى، ولتستمر بالتمدد نحو أريتريا في تحالفات عسكرية مشبوهة على حدود السودان، والتي شعر بها السودانيون مبكراً.. وتستمر كذلك في الوقت نفسه بالعمل شمالاً حيث نفط ليبيا، ومحاولة اجبار الليبيين وفرض قذافي جديد عليهم في صورة الجنرال حفتر، وما سينتج عن سيطرة حفتر على ليبيا وحكمها، بعد أن نجحت أبوظبي إلى حد كبير في التأثير على قوة عربية مهدرة مثل مصر. تفكيك معسكر الرباعي المحاصر أبوظبي خسرت بمغامراتها هنا وهناك الكثير من سمعتها، التي صنعتها طوال عقود ثلاثة مضت، فصار اسمها اليوم يرتبط بكل شر يقع في أي بقعة عربية.. فقديماً كنا نقول ابحث عن إسرائيل عند الكوارث والمصائب، لكن اليوم نقول ابحث عن أبوظبي!! وظني أن في أزمة الخليج الحالية، لابد أن تكون من أولوياتنا في قطر، العمل على وضع استراتيجية محددة دقيقة لتفكيك معسكر الرباعي وإخراج أبوظبي منه، باعتبارها العقل المدبر لتحركات هذا المعسكر. وكلما استطعنا توسيع الهوة والفجوة بين أبوظبي والثلاثي في معسكرهم المتأزم، كلما استطعنا تخفيف حدة الأزمة تدريجياً، وصولاً إلى إنهاء فاعليتها. خلاصة الحديث الأمر يحتاج الى المبادأة والمبادرة وصناعة الحدث، وتوجيه أبوظبي نحوه وليس العكس. نحتاج إلى عقول استراتيجية مفكرة وطنية، تفهم ثقافة وتقاليد المجتمع والفرد الخليجي وعقليته، وكيفية السيطرة على المتمرد وشارد الذهن وغير المكترث لمن حوله.. لنصنع نحن الحدث ونترك أبوظبي تنشغل به حيناً من الدهر، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، وندعو الله في الوقت ذاته أن يهديهم ويثيبهم إلى الرشد والصواب، فإن الإمارات ليست أبوظبي، والخير هناك كثير، وما السوءات والعاهات الظاهرة الآن، سوى قلة قليلة متهورة، تحيطهم مرتزقة منتفعة من الداخل والخارج. وإن النجاح في وضع استراتيجية دقيقة لتفكيك العلاقة بينهم جدير بالعمل عليه عاجلاً غير آجل، بل إن تعميم استراتيجية التفكيك تلك على كل دول الخليج بعد ذلك، فيه تهدئة وصلاح لكل الخليج بإذن الله، والله سبحانه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.