16 سبتمبر 2025
تسجيلالمتابع لمجريات الأوضاع المتأزمة في دولة جنوب السودان الوليدة التي يخيم عليها اليوم شبح الحرب الأهلية الدامية، يلحظ أن موقفاً أمريكياً انتهازياً بدأ يلوح في أفق الأرض المحروقة.. وهذه الانتهازية لها علاقة وثيقة بحرب الموارد في إفريقيا، فبترول دولة جنوب السودان وهي الثالثة من حيث إنتاج النفط في إفريقيا جنوب الصحراء، تتحكم فيه الصين التي تواجه منافسة شرسة من الولايات المتحدة على موارد القارة الإفريقية لاسيَّما النفط. ويقوم الأسلوب الأمريكي في الاستحواذ على الموارد البترولية في العالم على افتعال الحروب أو استثمارها واستخدام القوة العسكرية توطئة لعقد الشركات النفطية الأمريكية اتفاقيات نفطية غالباً ما تكون مجحفة بحق الدول التي تفرض واشنطن عليها سيطرتها العسكرية والسياسية بشكل مباشر أو غير مباشر كما هو الحال مع العراق، وليبيا التي تدخلت فيها عبر بوابة حلف الناتو العسكري.. و(على نفسها جنت براقش)، حينما استضافت جوبا بُعيد انفصالها، قيادة القوات الأمريكية المسماة (افريكوم) وهي القاعدة الأمريكية في إفريقيا التي كانت تدار مؤقتاً من مدينة (شتوتجارت) الألمانية. إن الهدف المضلل المعلن لقوات (افريكوم) هو محاربة الإرهاب في إفريقيا، لكن الهدف الرئيسي والمُستتر هو تأمين موارد إفريقيا لواشنطن خاصة النفط. في فبراير من العام 2007 أعلن وزير الدفاع الأمريكي (وربرت جيتس) أمام لجنة التسلح في مجلس الشيوخ الأمريكي أن الرئيس السابق بوش الابن اعتمد قرارا بإنشاء قيادة عسكرية أمريكية جديدة للقارة الإفريقية. وهدفها غير المعلن احتواء أيّ تدفق (غير منضبط) منها لمصادر الطاقة، وفي مقدمتها النفط. لذلك ألقت واشنطن بثقلها خلف مجموعة نائب رئيس دولة الجنوب رياك مشار المتمردة؛ وهي المجموعة التي تنتمي إلى إثنية النوير التي تستحوذ على رقعة مهمة من مناطق إنتاج البترول بينما مناطق إثنية الدينكا التي ينتمي إليها الطرف الآخر وهو الرئيس الحالي سلفا كير تكاد تكون خالية أو بعيدة عن مناطق البترول. لقد تبدّى موقف واشنطن المنحاز من الصراع في عدت مواقف سياسية؛ ففيما يصر سلفا كير على توصيف ما حدث باعتباره انقلاباً عسكرياً على سلطته المعترف بها دولياً في محاولة منه لإرسال رسالة للمنظمات الدولية التي لها مواقف مبدئية ضد الانقلابات العسكرية؛ أكدت مسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية أنه لا يوجد دليل لدى واشنطن على وقوع محاولة انقلاب وهي وجهة النظر التي يتبناه طرف مشار. وفي حين يرفض سلفا كير شرطا بإطلاق المعتقلين السياسيين المؤيدين له، كشرط لتوقيع اتفاق سياسي، دعا مجلس الأمن الدولي الذي تتحكم فيه واشنطن سلفا كير إلى الإفراج عنهم بدعوى دعم الجهود الرامية لإنهاء الصراع المحتدم. وحرص المبعوث الأمريكي الخاص دونالد بوث على لقاء مشار المستعصم بالأدغال في مكان لم يعلن عنه. وقال بوث إنه سيواصل الضغط لإطلاق سراح المعتقلين المرتبطين بمشار. في الوقت نفسه يقول الممثل الأمريكي الشهير، جورج كلوني والذي يمتلك قمراً اصطناعياً مخصص لمتابعة الأوضاع في السودان وجنوب السودان، "نحن نحتفظ بمواقفنا لكن القوات الحكومية تقصف مناطق المدنيين"، وهي محاولة للضغط على سلفا كير واستثارة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان. صحيفة "واشنطن بوست" التي وصفت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي بالمرأة الكارثة على دولة الجنوب، ترى أن الوضع الكارثي هناك كان يمكن تجنبه حال اتبع الرئيس براك أوباما والبيت الأبيض إستراتيجية أكثر عقلانية تجاه دولة الجنوب بتعاون مع السودان الدولة الأم. وتقول الصحيفة المؤثرة إن البيت الأبيض اعتمد على رايس التي ظلت لثلاثة عقود متوالية ترسم سياسات كارثية لهذا البلد الوليد. وتمضي الصحيفة قائلة إن سياسات رايس ذات النتائج الكارثية قد بدأت منذ أن كان عمرها (28) ربيعاً، حيث كانت مستشارة الأمن القومي في إدارة الرئيس بيل كلينتون عندما نصحته بسياسة رفع الأيدي عن الإبادة الجماعية في رواندا في العام 1994م، وعدم اعتبارها إبادة جماعية، وهو ما اعتبر العار الأكبر في سياسة الرئيس كلينتون، وكررت رايس ذات السيناريو عندما كانت مساعدة لوزير الخارجية الأمريكي عندما دعمت حرب رئيس الوزراء الإثيوبي مليس زناوي في حربه ضد إريتريا التي راح ضحيتها ما يزيد على (100) ألف شخص. وترى الصحيفة أن أنموذج السياسة الخارجية الأمريكية المشوهة في إفريقيا والذي رسمته سوزان تجلى بصورة واضحة في السودان. لقد أصرت إدارة أوباما باستشارة من لدن رايس، بعد تحقيق الانفصال في العام 2011 على أن تبقى الخرطوم إدارة منبوذة ومعزولة عن العالم، وتمت معاقبة حكام الخرطوم بحجة ارتكابهم الفظائع ضد مواطني دارفور ودولة الجنوب، ووبخ أسكوت غرايشون المبعوث الخاص والمسؤول الوحيد الذي طالب بتطبيع العلاقات مع الخرطوم. السؤال هل يستجيب أوباما إلى العقلاء في إدارته ويدير ظهره لرايس ومجموعتها، ويعمل على إعادة فتح قنوات الاتصال مع الخرطوم من أجل التفاوض على تسوية شاملة من شأنها تأمين المستقبل لدولة الجنوب، خاصة أن زيارة الرئيس السوداني عمر البشير الأخيرة بعد اندلاع الأزمة إلى جوبا قد وجدت إشادة من واشنطن، باعتبار أن السودان أكثر دولة مؤهلة لحلحلة الأزمة لمعرفتها بتعقيدات المشهد الجنوبي.