15 سبتمبر 2025
تسجيلزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى لبنان، ولقاؤه عدداً من المسؤولين وبعض القيادات الفاعلة على الساحة السياسية، وما أطلقه من تصريحات تجاه دولة بعينها، هي السعودية، كانت في مجملها مؤشرات تفاهم موضوعي بين إيران والسعودية، إمّا على تحييد لبنان مبدئيا من الصراع المفتوح بين البلدين في سورية والعراق والبحرين ودول أخرى، وإما على تنظيم هذا الصراع عبر التنوع في أساليبه.. لبنان يصلح هنا نموذجاً للسيناريو الثاني. فلا إيران تراجعت عن دعم حلفائها في لبنان وخياراتهم في سوريا، ولا السعودية غيرت من رؤيتها للأحداث الجارية في سورية ولبنان والمنطقة. وأفق الاحتقان بين البلدين بلغ حد الانفجار. تصريحات رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران هاشمي رفسجاني من أن العلاقات بين إيران والسعودية سيئة للغاية، وأن الأخيرة تدعم قوى التطرف والإرهاب في سورية والعراق عكست حالة الضيق التي بلغتها إيران من السياسة السعودية التي تجهد في تفكيك حلقات المحور الإيراني. لبنان هنا استثناء في شكل الصراع، فميزان القوة العسكرية لصالح إيران، لا جدال في ذلك، أما موازين القوى السياسية والاجتماعية فهي متعادلة بين الطرفين، ولحساسية التنوع المذهبي والطائفي في لبنان فإن فائض القوة العسكرية التي يتمتع بها حلفاء إيران يغدو لا قيمة له في حسم الموقف السياسي، وهو أقرب ما يكون إلى سلاح رادع أكثر منه سلاح فتاك. اجتياح بيروت عام 2007 كانت تداعياته كارثية على المدى البعيد على حزب الله وحلفائه رغم حسمهم المعركة لصالحهم في ساعات قليلة، فقد عزز الاحتقان المذهبي، وزاد من الالتفاف الطائفي حول خصمهم السياسي، وأضحى الصراع مذهبيا بعد أن كان محصوراً في الدائرة السياسية. اغتيال محمد شطح القيادي في تيار المستقبل نهاية العام المنصرم زاد من قناعة قوى 14 آذار أن لا حلّ سياسيا في ظل وجود سلاح خارج إطار الدولة. ويوم كانت البلاد تتجه نحو حكومة حيادية، يراها حزب الله "حكومة أمر واقع" قد تؤدي إلى صدام دموي، جاء انفجار الضاحية ليعيد الحسابات عند رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فعادت عجلات سيارة التشكيل تسير باتجاه حكومة وطنية جامعة. حكومة دونها عقبات كثيرة. منها ثلاثية " الجيش والشعب والمقاومة" التي يراها حزب الله خطاً أحمر في أي حكومة قادمة، تواجهه 14 آذار بـ"إعلان بعبدا" الذي وقع عليه حزب الله في حينه، والذي ينص على التزام جميع الأفرقاء النأي بلبنان عن الصراع في سورية. هي فرصة لقوى 14 آذار للتملص من ثلاثية حزب الله، إذ لا يمكن تحت أي ضغط منح حزب الله غطاء سياسياً كي يقاتل خارج الحدود عدواً لم يجمع على عداوته اللبنانيون. لا بأس هنا. قد تقبل إيران بالتحايل على البيان الوزاري طالما أنه لن يغير من واقع الأمر شيئا في سورية، فحزب الله سيبقى في سورية دون اعتبار لتأليف الحكومة من عدمها، وتيار المستقبل الذي كان يشترط انسحاب الحزب من سورية قبل أي بحث في حكومة جامعة تراجع خطوة للوراء تاركاً الأمر لنتائج جنيف 2.فهل تشكيل الحكومة المرتقبة تعكس تفاهما إيرانيا سعوديا في لبنان قد يؤسس لتفاهمات قادمة؟لا يبدو في الأفق ما يوحي بذلك أبدا بقدر ما يعزز نظرية التنوع في أساليب الصراع أو تنظيمه. فلبنان بلد هش، وفي حال استمر الفراغ السياسي فلا مناص من التدهور الأمني، وهو أمر يعجز حزب الله عن فرملته تماماً كما يعجز تيار المستقبل عن ضبط ساحته التي تتجه نحو التشدد الديني تأثراً بالأحداث الجارية في لبنان وسورية. وتبقى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، سيفا دوليا مسلطا على حزب الله الذي يرى فيها استهدافا مباشرا لسلاحه، ولا يمكن التملص منها خارج دائرة حكومة يكون هو جزء منها. تيار المستقبل غير مستعد للتفريط في هذه الورقة طالما أن لا ثمن مغريا لبيعها. انطلاقاً مما سبق لا جرعة تفاؤل زائدة حول انفراج سياسي، ولا حقنة تشاؤم سامّة حول انفجار قادم.. الأمر معلّق إلى جولات قادمة بين المتصارعين السعودية وإيران.