11 سبتمبر 2025

تسجيل

القدس.. ومعركة النفس الطويل

17 ديسمبر 2017

من الواضح أن معركة الدفاع عن عروبة القدس، ورفض قرار الرئیس الأمريكي ترامب بالاعتراف بها عاصمة لإسرائیل، لن تكون قصیرة. ولن تحسم سريعاً، والأرجح أنها ستكون ممتدة في الزمان وتأخذ وقتاً طويلاً قبل حسمها.. إن أحداً لا یعرف الطریقة التي ستحسم بها هذه القضیة في نهاية المطاف، فلو كانت لدى ترامب وفريقه النية للتراجع السریع عن ذلك القرار الأخرق لما تم اتخاذه في المقام الأول. ولكن أمريكا هي أیضاً التي علمت العالم البراجماتیة، ورغم أن مقولة "السياسة هي فن الممكن" تعود للسیاسي الألماني بسمارك، إلا أن المرء یشعر أن هذه المقولة تلخص السياسة الخارجية الأمريكية أفضل تلخيص. ومعنى هذا أن كل الخیارات واردة وكل الاحتمالات ممكنة، ولكن الثابت أیضاً هو أن المخاض سیكون عسیراً وطویلاً في جمیع الأحوال.. إن المقصود بذلك هو أننا یجب أن نعد العدة لمعركة تحتاج نفساً طویلاً، ولا يخفى على أحد أن أخطر ما یمكن أن یحدث هو خفوت الأصوات المنددة بالقرار الأمريكي شیئاً فشیئاً وصولاً إلى اختفائها كلیاً. ولا شك أن هذا هو تماماً ما تعول علیه إدارة ترامب ومعسكر نتنیاهو، فهم یقولون إن المظاهرات والمسیرات المعارضة ستخبو بعد فترة قصیرة، وسیمضي الناس لمتابعة أعمالهم تاركین وراءهم قرار ترامب. وتبعاته وآثاره الخطیرة على القدس وقضیة فلسطین.. إن معركة النفس الطویل من أجل القدس ممكنة وباستطاعتنا في الأردن وفي فلسطین أن نخوضها لاستعادة الحقوق العربیة ولإرسال رسالة للإدارة الأمريكیة بل للعالم كله، أن أحداً لا یستطیع أن یتجاوز دورنا أو یقفز فوق مصالحنا كائناً من كان.. إن أولى خطوات معركة النفس الطویل من أجل القدس هو تعزیز التنسیق الأردني – الفلسطیني إلى أعلى درجة ممكنة، ولا یكفي أن یكون التنسیق على مستوى القیادة في البلدین الشقیقین، ولكن یجب أن یكون هناك تنسیق على كل مستویات الإدارة بحیث یتم تبادل الرؤى والمعلومات والقراءات بشكل یومي إذا أمكن. ولا بأس من تشكیل لجنة مؤقتة بین البلدین تجتمع باستمرار حتى تزول هذه الغمة، أما الخطوة الأخرى المطلوبة على الصعید الشعبي في الأردن فتتمثل في ضرورة رسم خطة إستراتیجیة شعبیة تعمل على إدامة رد الفعل الرافض لقرار ترامب والمستنكر له لمدة 3 أشهر على الأقل، فمن الطبیعي أن یشعر الناس بعد مضي بضعة أیام أو أسابیع بالملل أو بعدم جدوى استمرار الرفض والاستنكار، ولكن بقاء الرفض السلمي الحضاري الذي عودنا علیه شعبنا لأطول فترة ممكنة هو السبیل الوحید للوصول إلى مرحلة إمكانیة قطف ثمار هذا الجهد المبارك، وذلك أفضل دعم یمكن أن نقدمه للموقف الرسمي الذي یتحرك على كل الصعد، وأیضاً نصرة لعروبة القدس.. والسؤال هو كیف یمكن إدامة هذا الرفض الشعبي لأطول فترة ممكنة؟ إن التخطیط والتنسیق ووحدة الرؤیة هي متطلبات أساسیة لنجاح هذا الجهد الوطني. وأرى أنه من الضروري تشكیل لجنة تنسیقیة من المؤسسات المدنیة كالأحزاب والنقابات والاتحادات ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقیة ومؤسسات الإعلام والجامعات لوضع برنامج عملي لإطالة أمد رد الفعل الشعبي المناهض لقرار ترامب إلى أطول مدى ممكن.. ویمكن لهذه اللجنة التنسیقیة أن تضع برنامجاً زمنیاً لفعالیات رفض القرار تشمل – بشكل تبادلي، كل محافظات المملكة وجمیع المؤسسات المدنیة، فیمكن أن تكون فعالیات أسبوع ما في مدینة الكرك وبمشاركة عدد معین من المؤسسات المدنیة، وتكون في الأسبوع الذي یلیه في الزرقاء وبمشاركة عدد آخر من المؤسسات.. بهذا فقط یمكن أن ندیم رد الفعل الرافض لقرار البیت الأبیض لعدة شهور قادمة. وبهذه الطریقة یمكن أن نفوت الفرصة على إمكانیة حدوث ملل أو إجهاد لدى المواطنین وإرسال رسالة واضحة لا لبس فیها إلى ترامب ونتنیاهو وغیرهما، أن القدس خط أحمر، وأن موقفنا دفاعاً عنها ثابت لا یتزحزح، وأن الأیام لا تزیدنا إلا تمسكاً بحقوقنا الخالدة في القدس وفي فلسطین، وأن أي محاولة للقفز فوق حقوق الشعب الفلسطیني أو تجاوز الوصایة الهاشمیة على المقدسات الإسلامیة والمسیحیة في القدس محكومة بالفشل، فالشعب لا یكل ولا یمل عندما یتعلق الأمر بحقوقه التاریخیة.. حتى المدارس والجامعات فإن تعبیرها عن التمسك بالحقوق العربیة في القدس ورفض قرار ترامب یجب أن یتم وفق خطة زمنیة واضحة توزع فیها المهام والمسؤولیات بشكل ینتقل فیه شرف تنفیذ الفعالیات الرافضة للقرار الأمریكي من جهة إلى أخرى بشكل واضح سلس. یشارك فیه الجمیع لأطول فترة زمنیة ممكنة. نحن أمام معركة طویلة النفس، ولأن الفشل فیها ممنوع، فلم یبق أمامنا إلا العمل وفق خطط واضحة مدروسة.. فهل نحن فاعلون؟