14 سبتمبر 2025

تسجيل

حروب الجيل الرابع (3)

17 ديسمبر 2014

عندما تستخدم أطراف مختلفة نفس المقولات لتبرير مواقف متناقضة، يلحق الشك صحة هذه المقولات أو نوايا من يستخدمونها. ويسري هذا بوضوح على مقولات حروب الجيل الرابع، فرغم أنها نشأت في أحضان مراكز الأبحاث الأمريكية، لتفسير أو تبرير الصعوبات التي تواجهها القوات الأمريكية وحلفاؤها عند محاولة تصديها للحركات المقاومة (التي يصفونها بالإرهابية)، إلا أن العديد من الأطراف الأخرى (العربية بالأساس) شرعت في استخدام نفس النظرية لأغراض مختلفة، وصلت في تعارضها مع المقولات الأصلية حد إلصاق تهمة التسبب في ظهور هذا النمط من الحروب بالإدارة الأمريكية نفسها، وذلك بزعم رغبة الأخيرة في تفكيك الدول وإفشالها كمقدمة لإحكام سيطرتها عليها.وبشكل عام لا تختلف الرواية العربية مع الرواية الأمريكية حول توصيف طبيعة حروب الجيل الرابع من حيث كونها حروبا غير نمطية تعتمد على التقدم التكنولوجي والقوة الذكية. كما تقر الرواية العربية بكون هذه الحروب طويلة المدى، وأنها تنشب بين الدول وبين مجموعات قتالية صغيرة الحجم، مرنة التنظيم، محدودة الإمكانيات البشرية والمادية، تستخدم تكتيكات حروب العصابات لتحقيق أهدافها.ما تختلف فيه الرواية العربية عن الرواية الأمريكية يتعلق بالفاعل الرئيسي والهدف النهائي لهذه الحروب، فإذا كان الفاعل وفقا للرواية الأمريكية هو الجماعات المتمردة التي لا تلتزم الطرق التقليدية في القتال، ولا تعترف بشرعية الدولة كتنظيم سياسي، وتهدد الهيمنة الغربية المسيحية على العالم، تفترض الرواية العربية أن الفاعل الأساسي في إطار حروب الجيل الرابع هو الدول والتنظيمات الكبرى، وذلك في إطار سعي الأخيرة نشر الفوضى في المنطقة العربية، بحيث تستمر في زعامتها للعالم من دون معوقات. صحيح أن هذه الدول وفقا للرواية العربية تستخدم وتوظف الجماعات المسلحة والحركات الثورية والجماعات الفوضوية، ولكن كل هذه لا تعدو أن تكون مجرد أدوات في أيدي الفاعلين الأصليين. وتعبير الأنظمة العالمية الذي تستخدمه الرواية العربية هو بمثابة يافطة عريضة تضم تحتها كل من يمكن تخيلهم من القوى العالمية، فواحد ممن يوصفون بالخبراء الاستراتيجيين المصريين اعتبر أن البلاد في حالة حرب حقيقية مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وتركيا وإسرائيل وإيران، معتبرا أن ثمة خيطا يربط بين كل هذه الكيانات، وأن ثمة هدفا نهائيا يجمعهم يتمثل في نشر الفوضى الإقليمية، عبر تنظيمات وسيطة (تضم جماعة الإخوان، حماس، حزب الله، داعش، وغيرها من التنظيمات الإرهابية على حد قوله).وتفترض الرواية العربية أن حروب الجيل الرابع تمر عبر 3 مراحل رئيسية، الأولى هي زعزعة استقرار الدولة المستهدفة، والمرحلة الثانية جعلها دولة فاشلة، وأخيرا المرحلة الثالثة تفكيكها وخلق واقع جديد على الأرض يخدم مصالح الأنظمة المتدخلة. وتذهب الرواية العربية أن هذا النوع من الحروب تم تطبيقه بنجاح في العديد من الحالات مثل السودان وسوريا والعراق فضلاً عن أفغانستان زمن الاحتلال السوفيتي، حيث تم تصوير المقاومة وقتها على أنها نوع من الجهاد ضد المحتل السوفيتي بمساعدة الولايات المتحدة، بينما كان الأمر في حقيقته عبارة عن خطة أمريكية لتحطيم الاتحاد السوفيتي، وإعداد جيل من الجهاديين لنشرهم في كل أنحاء العالم، واستغلالهم في الحروب الأمريكية التالية على العالم العربي والإسلامي. وهو ما يجري- وفقا للرواية العربية- أمر مشابه له الآن من خلال الدفع بتنظيم مثل داعش في سوريا والعراق ودعمه سرا للضغط على الأنظمة في المنطقة.أما عن الوسائل التي تستخدمها أمريكا وحلفاؤها لتنفيذ هذا المخطط- وفقا للنسخة العربية- فتشمل وسائل التواصل الاجتماعي والميديا الجديدة من الإعلام الفضائي والإلكتروني، ومؤسسات المجتمع المدني التي تعمل وفق الأجندات الغربية من أجل إعداد دراسات وبحوث وكتابة تقارير عن المجتمعات العربية والأوضاع الداخلية بها تمهيدا لاختراقها وتفكيكها.كما تستخدم في إطار هذا النوع من الحروب الآليات النفسية مثل بث الشائعات، ونشر مشاعر الإحباط والغضب على نطاق واسع، واستثارة الأقليات، وإثارة الحساسيات العرقية والدينية، وتعبئة الشباب بأفكار سلبية ضد الدول العربية ومؤسساتها، ونشر البلبلة والتشكيك في المشروعات القومية، كما يتم توظيف الجماعات الدينية من خلال إشعال حروب الفتاوى فيما بينها، فضلا عن استخدام العملاء من النشطاء السياسيين وتسليط الأضواء عليهم في المؤتمرات والفعاليات العالمية. بالإضافة إلى ما سبق تركز الرواية العربية على استخدام الأساليب السياسية في إطار هذه الحروب، معتبرة المظاهرات والمسيرات والإضرابات تكنيكات جديدة في إطار الجيل الرابع، ولا يقتصر الأمر على الوسائل السياسية إذ يتوجه مخططو هذه الحروب للأفراد بهدف السيطرة على عقولهم وقلوبهم، وجذبهم إلى ثقافات ومجتمعات الدول المعادية. وتفترض الرواية العربية أن الهدف النهائي من وراء هذا المشروع هو التقسيم الداخلي للدول المستهدفة، وتفكيكها وإفشالها، وتدعو من ثم المواطنين إلى التكتل خلف قياداتهم السياسية لكسر وإفشال هذه السيناريوهات عبر التصدي لممثليها في الداخل وعلى رأسها جماعة الإخوان وما يتفرع عنها من تنظيمات "إرهابية" أخرى!للوهلة الأولى يبدو أن تشويها كاملاً مارسته الرواية العربية لنظرية حروب الجيل الرابع، فقد عكست مقولاتها الأساسية، وجعلت من الدول الكبرى مستفيدا من نشر الفوضى وليس ضحية لها كما في النسخة الأصلية، ورغم ذلك فإن هناك عناصر تتقاطع فيها الروايتان. هذه العناصر سنناقشها في المقال القادم إن شاء الله. يراجع التقرير الذي نشرته صحيفة الأهرام المصرية بعنوان: "الأهرام" تكشف مخططات الإخوان في استخدام حروب الجيل الرابع لإثارة الفوضى وإنهاك المجتمع بالمظاهرات ونشر الشائعات والحرب النفسية لهدم مؤسسات الدولة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/341738.aspx