14 سبتمبر 2025

تسجيل

في ذكرى انطلاقتها الـ 23 .. هنيئا لنا بحماس

17 ديسمبر 2010

مما ميز مهرجان انطلاقة حماس يوم الثلاثاء الماضي أن عدد الحاضرين المحتفين فيه لم يجتمع لأي حركة أو تنظيم أو فعالية من قبل ، فقد كانوا مد البصر في ساحة الكتيبة الخضراء والساحات والطرقات حواليها .. وسواء كانوا - كما حزرهم البعض - ثلاثمائة ألف أو أقل أو أكثر فهم فوق أي تشكيك في عددهم وكثرتهم وأكبر من أي اتهام في نيتهم وغاياتهم وولائهم لها وصدقهم معها .. يجتمع هؤلاء لها ويحتفون بها وهي المحاصرة التي لا تملك لهم نوالا ولا مطمعا ، فوق أنها لا تستطيع حشدهم بالقوة أو بالتخويف فذلك ليس من شيم الشعب الفلسطيني أولا ولا هو من أدوات حماس ثانيا ، ولو أرادته لما استطاعته بهذا الحشد والجمع ثالثا .. ما يجب أن يفهمه خصوم حماس وأعداؤها ( وأن لا يغيب عن قادتها ومنتسبيها وأجيالها ) أن فشل مساعيهم ومحاولاتهم لصرف الشعب الفلسطيني والرأي العام عنها وعن المقاومة قد باءت بالفشل الفاضح والمريع .. سببه ليس عجزهم عن صياغة الإشاعات ونحت الاتهامات وما أكثرها وما أجرأهم وأقدرهم عليها ! ولا قلة الموازنات والأجهزة المرصودة لذلك وما أعظمها وأخطرها وأوفرها عندهم ! ولا قدرة قادة حماس على صياغة الشعارات البلاغية والتعبيرية المؤثرة التي يدافعون بها عن أنفسهم وحركتهم مع توفر الحد الأدنى منها ! ليس هذا كله هو ميدان صراعها معهم ولا هو سبب سبقها لهم .. ولكن لأنها اختارت لنفسها سبيل ذات الشوكة ، وتجهمت طريق الابتلاءات والمصابرة الذي استثقله واستعظمه الآخرون من حواليها .. ولأنها استرخصت في سبيله التضحيات وكواكب الشهداء من قادتها ورموزها قبل منتسبيها ومواليها .. ذلك ما لا يستطيعون المنافسة فيه ، ولا طمسه ، ولا الإشاعة عليه .. لذلك يمكن القطع باليقين أن كل الإشاعات عليها ما دامت تصدر عن ذات المنطلقات ومهما استمرت أو تكاثرت أو دعمت فستبوء بالفشل دائما ، ما يعني أن حماس ستكون آمنة من كل ما يحيكون لها ويتآمرون به عليها ؛ لأنها حماس بذاتها ومنهاجها وتاريخها وليس فقط لقدراتها وسمعتها ، وقد قال الله تعالى عن أسلاف هؤلاء الحاقدين من الكفار والمنافقين إذ يمكرون بالمؤمنين ويحاولون أن يطفئوا نور الله فيفشلون ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) الأنفال 36 .. وقال ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) التوبة 32. لقد عرفت حماس منذ كانت زهرة في بستان جماعة الإخوان المسلمين أن الاحتلال الصهيوني شر سرطاني لا تنفع معه الحلول الوسط ، وأن الصراع معه صراع وجود وكليات لا خلافا على حدود وتفاصيل ، لقد قرأت في القرآن الكريم قصة بقرة بني إسرائيل التي طلبها موسى فقاموا يسألون ويتعنتون ويتشدقون بالأسئلة التي لا تعني شيئا ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) فعلمت أن التسوية والمفاوضات مع هؤلاء لن تجدي نفعا ولن تكون إلا هراء وتغطية على الاحتلال وتمريرا للمؤامرة ولم تلتفت إليها ولم تعول عليها .. وفهمت أن أمريكا هي العدو أو كالعدو تماما لا يرتكن إليها ولا يرتجى خير عندها في قليل ولا في كثير .. وفهمت سنن التدافع وطبائع الاستبداد فواجهتها بما يفلها ويكسر حدها حتى أفشلت أعظم جيش احتلالي مدعم بكل أسباب القوة ومعد لكسر جيوش مجتمعة فأهانته ومرغت كرامته في العار والشنار .. رأى الشعب الفلسطيني ذلك فوجدها واقعية واعية ووجد رؤيتها الأصوب ونظرتها الأبعد ورجعت له بعض نفسه واتزنت بين ناظريه المعادلة التي خلاصتها ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) .. لقد عرفت حماس أن الأقوال وحدها لا تكفي ، وأن التعويل على عبارات الشجب والاستنكار والاحتجاج والمناشدة مع العطالة والبطالة لا تجدي ولا يمكن أن تثمر إلا استغفالا وتخديرا للشعوب وهو ما يجب أن لا تنزلق إليه لأن وعي شعبها وتأجج ثورته هي الحصانة والضمانة لتفعيله واستثمار إمكاناته فقللت الكلام وأكثرت الفعل ، وأعدت وخططت وكانت عينها على غد أكثر مما هي على اليوم وعلى ما يجب أن يكون أكثر مما تحصل وكان حتى الآن .. لقد رأى الشعب الفلسطيني حماس تصنع حدا من التوازن النوعي في ردع العدو جعل قادتها يلتقون ويجتمعون في مناسبات علنية عديدة دون أن يجرؤ العدو على استهدافهم أو إثارة غضبهم ؛ وهو الذي يحسب حساب غدراته وفجراته قادة وزعماء وجيوش مؤللة ومجحفلة على بعد آلاف الأميال .. لقد رأى الشعب الفلسطيني حماس سلطة لا كالسلطة التي عرفها أو كالسلطات التي سمع عنها .. تبيع الوطن والتحرير والقضية بمصالح فلان وامتيازات علان وابنه أو أخيه .. لقد رأى الشعب الفلسطيني قادة حماس وقد ملكوا السلطة وجرت بين أيديهم المقدرات ؛ رآهم في دينهم والتزامهم وفي فقرهم واحتياجهم وفي تواضعهم وبساطتهم كما كانوا قبل السلطة أيام الشظف والسجون والمطاردة .. لقد رأى الشعب الفلسطيني حماس تبدع في تجاوز الأسباب الظاهرة وتكاد تصافح الخوارق والكرامات .. أليس فوق الأسباب الظاهرة أن كيان العدو بكل ما أوتي وما جهز به من قوة ومن توافر الأسباب وحشد الأتباع والأنصار يعجز عن حسم معركته معها بل عن دخول عشرات الأمتار أمام شبابها وفتيانها الأشبه بالمدنيين منهم إلى العسكريين .. ثم يلوذ أمام العالم كله والتاريخ كله بالخزي والعار ؛ وهو الذي اعتاد أن يحسم حروبه على جيوش جرارة في أيام وربما في ساعات مؤللة ومجحفلة ؟ أليس فوق الأسباب الظاهرة أن تنتهج حماس سليكة المقاومة والثورة في زمن الاستسلام والهزيمة واللطم ، ثم تلتزم المبادئ وتتمسك بالثوابت لا تحيد عنها ولا تستعفي منها في حين أن غيرها من المتمكنين والمتوسعين يعانون التهرؤ وصاروا يساومون على كل شيء وصار التميع السياسي والخيانة الوطنية والكذب عندهم ذكاء وواقعية وفذلكة ؟ أليس فوق الأسباب أن تنتهج حماس نهيجة إسلامية صريحة محضة في زمن صار فيه الإسلام تهمة وصارت دعواه قرينة للظلامية والرجعية وسببا للاستهداف والذم بكل نقيصة ثم يلتف الناس من كل الملل والأجناس حولها على مغرم لا مغنم ويؤازرونها ويدارئون ضعفهم ويؤسهم بها ؟ أليس فوق الأسباب أن تتمكن من إعادة القضية إلى بعديها الإسلامي والعربي وأن تعيد للمعركة رايتها وشعارها بعد طول بعاد صفوا من النعرات وخلوا من الجاهليات والتغريبيات والتشريقيات بيضاء ناصعة ثم تنجح في إحباط مكر كثير وكيد مرير واصلت على حوكه نظم ومنظمات وبذل عليه السخي من الموازنات وجيرت له الكثير من السياسات ؟ أليس فوق الأسباب الظاهرة أن يكون الإسلام أيديولوجيتها ومنطلقها ومنطقها ونحلة سلوكها ثم تستطيع إيجاد ما تلتقي عليه مع المخالفين والمناكفين ، وأن تتجنب الصراعات الأيديولوجية معهم بل تدشن وحدة مواقفية معهم في زمن يعج بالصراعات والاتجاهات داخل الحزب الواحد والاتجاه الواحد وتتقاسم الأوطان وفق تحيزاتها وتزايحاتها ؟ البعض يخطئ إذ يظن أن حماس ولدت يوم 14 / 12 / 1987 وينسى أنها بالمعنى الإسلامي هي وليدة التاريخ الإسلامي كله من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها في الخصوص الفلسطيني وريثة ثورة القسام وفرحان السعدي في ثلاثينيات القرن الماضي وثورة عبد القادر الحسيني في الأربعينيات وأنها بالمعنى الحركي والتنظيمي والعضوي هي وليدة جماعة " الإخوان المسلمون " الذين قاتلوا في أواخر الأربعينيات وشهد لبطولاتهم وصدق جهادهم خصومهم قبل أصدقائهم إذ ذاك .. بل إن منظمة فتح ذاتها يمكن اعتبارها إنجازا حمساويا بالمضمون الإخواني للكلمة إذا أدركنا أن معظم قادتها قد درجوا في هذه الدعوة ونهلوا من رؤيتها وانطلقوا من ساحتها - وإن اختلفت بهم السبل بعد ذلك - ! وحماس هي الإخوان المسلمون في أواخر الستينيات الذين تجسدوا فيما سمى بمعسكرات الشيوخ في أغوار الأردن والذين كان ياسر عرفات يفاخر بعملياتهم ويعير بها أتباعه إذ يقول لهم : هكذا فلتكن العمليات وإلا فلا كانت !! أما ذلك اليوم من عام 87 فما هو إلا يوم انطلاقتها بهذا الاسم المحدد .. ولم يكن يوم وجودها من عدم أو بعد أن لم تكن .. آخر القول : حماس هي التجسيد الواقعي لقول الله تعالى في سورة الصافات ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) وهي التجسيد العملي لعظمة الشعب الفلسطيني وعنفوانه .. وما وفقت إليه فيما مضى حري أن توفق إليه فيما يأتي إن ظلت على ما عهدناها .. وهذا الظن بها والحري أن تحرص عليه وأن تعتز به ..