14 سبتمبر 2025
تسجيلما فاز به "ترامب" هو أصوات المجمع الانتخابي؛ وهو مجمع نخبوي من دهاقنة السياسة والعارفين بما وراء الكواليس من الإستراتيجية الأمريكية وتحدياتها ورغائبها ولم يفز بالأصوات الشعبية التي غلبته فيها كلينتون.. ذلك جعل الكثيرين لا يتوقعون فوز "ترامب" وأنا واحد منهم، ويبدو أننا غفلنا عن المتغيرات التي نقلت أمريكا إلى مربع إستراتيجي لا تصلح له "كلينتون" التي لن تكون أكثر من امتداد لحكم أوباما مهما حاولت اجتراح شكل جديد لرئاستها، وهذا يجعلنا نبحث عن أسباب تتعلق بما هو خارج الجغرافيا الأمريكية.. وأقول: كان علينا أن نرى مسألتين هامتين ؛ الأولى: التغييرات التي طرأت على علاقات أمريكا التحالفية أو الحمائية المنتقلة من محور لمحور في منطقتنا، والثانية حاجة أمريكا لإعادة رسم دورها في قيادة العالم على أساس مباشرة مقتضياتها بنفسها وأن لا تظل حبيسة الاحتياج لروسيا والارتباك أمام بلطجتها.في هذا السياق الإستراتيجي كان علينا أن نسمع خطابات " ترامب " وأن نرى تصرفاته ونفهم رسائله التي كان يوجهها ابتداء لتلك النخبة - التي اختارته والتي ترسم التاريخ الأمريكي والتي أراد أن يقول لها فيها إنه مستعد لمواصلة حرب أعداء أمريكا وإخافتهم بلا هوادة وفي مقدمتهم " الإسلام " باعتباره التحدي الأبرز والأخطر بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي.في هذا السياق كان يجب أن نفهم جوهرية ورمزية إصراره على طرد المرأة المسلمة المحجبة من بين الجمهور الذي كان يخطب فيهم ذات مرة، وأن نفهم أنها لم تكن مجرد " عرفطة " انفعالية، ومثلها نفهم أيضا جوهرية وجدية تعهداته ووعوده للكيان الصهيوني وأنه لن يسمح بأن يفرق بين وجود "إسرائيل" ووجود أمريكا شمس يوم واحد، وأنه سينقل السفارة الصهيونية إلى القدس، وأنه لن يسمح باستمرار وجود من يكرهون الكيان.. وما شابه ذلك.البعض حتى الآن لا يريدون تصديق أننا دخلنا مع أمريكا وعلاقاتها عهدا جديدا فهم يستمرون في التعامي عن المتغيرات ويتلمسون الشبهات والقرائن وشوارد الكلمات وهوامش الألفاظ ليرسموا صورة أقل سوداوية عن مستقبل العلاقة معها بعد انتخاب "ترامب" ويمنّون أنفسهم بأن "ترامب" ما بعد توليه الرئاسة سيختلف عما قبلها وسيتراجع عن كذا وكذا كما تراجع فلان وفلتان.. وذلك يعني أنهم سيبقون في الانتظار والاستقبال.وبعض آخر ممن نحسن في إخلاصهم الظن يساوون بين " ترامب " وغيره، ومنهم من يفضله على أنه – في تقديرهم - سيفضح عداوة أمريكا لأمتنا وووو.. وهذا منطق بقدر ما يدغدغ الأحلام بقدر ما هو خاطئ ومبني على فكرة غير وجيهة، فلسنا أقوياء لنستطيع الاستثمار في الفرق بين السيئ والأسوأ ما يجعل الأسوأ هناك مزيدا من الخسارة هنا وهم يغفلون عن أن التاريخ يمكن أن يشوهه أشخاص سيئون كموسوليني ولينين وستالين وشارون ونتنياهو وليبرمان وبوتين وبوش.آخر القول: أمريكا فيها أكثر من 1100 بيت خبرة Think-tank " " منها أكثر من 450 متخصصا في دراسة الشرق الأوسط والإسلام ما يؤكد أننا في عين العاصفة، وأن مصائرنا موضع تخطيط إستراتيجي غربي وأمريكي، وأن الأمور تستحق أن تؤخذ بمنطق غير السذاجة والأمنيات الذي هو حالنا وواقعنا حتى الآن.