03 نوفمبر 2025
تسجيلمن أبرز نتائج الأحداث التي تعصف بسوريا منذ أكثر من عشرين شهرا، ظهور"واقع كردي" في شمالها. الأكراد السوريون كانوا الحلقة الأضعف في كردستان الكبرى.إن كان من ناحية العدد أو التواصل الجغرافي بين مناطقهم. أكراد سوريا قد لا يتجاوزون المليونين وشريطهم الجغرافي طويل على امتداد الحدود مع تركيا مع انقطاع في شمال حلب، لكنه ليس بالعمق الكافي ليحتمي من محاولات تقطيعه جغرافيا من الشمال إلى الجنوب أو بالعكس. ولقد عانى أكراد سوريا مثل سائر الأكراد في الشرق الأوسط من ظلم أنظمة الدول التي يعيشون في ظلها. ولا يرتبط الظلم بطبيعة السلطة القائمة. فهو مستمر منذ بداية الاستقلال السوري ومرتبط أيضا بالذهنية المتشددة للنخب القومية العربية في مرحلة ما بعد الاستقلال. وقد ساهمت قلة عدد الأكراد في سوريا إلى تأخرهم في التعبير عن هويتهم بصورة قوية. الأحداث السورية وفرت هذه الفرصة، خصوصا عندما بدأت أوصال سوريا تتقطع وتدخل في مرحلة فوضى وحرب استنزاف بين قوات النظام ومسلّحي المعارضة. قبل عدة أسابيع طرأ تحول مهم في الواقع الميداني في المناطق الكردية في سوريا. الجيش السوري يخلي العديد من المناطق الكردية ليتفرغ للقتال ضد المعارضة في مناطق أخرى محتفظا بوجود محدود في بعض المراكز الأمنية والعسكرية الحساسة. هذا هو الوجه الأول من التحول. الوجه الثاني أن عناصر من حزب الاتحاد الديموقراطي(السوري) التابع لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يحارب الدولة التركية قد ملأ الفراغ المستجد. فرفع أعلام حزب العمال وصور زعيمه عبدالله أوجلان في المدن الكردية في سوريا. بات المشهد جديدا وبدا كما لو أن "كردستان سوريا" أصبحت واقعا وحقيقة. وكما كان متوقعا كانت تركيا هي المعنية الأولى بهذا المتغير. وبالفعل أطلقت أنقرة تحذيرا قويا جدا بأنه إذا تحولت مناطق الشمال الكردي السوري إلى قاعدة لحزب العمال الكردستاني على غرار تمركزه في جبل قنديل في شمال العراق فإن تركيا لن تتردد في اجتياح سوريا لمنع نشوء هذا الخطر. لم تهدد تركيا بالتدخل في سوريا عسكريا طوال الأزمة لكنها فعلت ذلك مع دخول العامل الكردي على الخط. كان من أسباب الخلاف التركي الأمريكي على العراق قبل الغزو عام 2003 هو الموقف من مستقبل الخريطة العراقية ومعارضة أنقرة إقامة فدرالية هناك وتهديدها بأن إعلان دولة مستقلة كردية سيكون سببا للحرب. لكن كل شيء مر وفقا للمخطط الأمريكي. أُنشئت الفدرالية بل اعترفت بها أنقرة لاحقا ولن تعارض تركيا أي دولة كردية مستقلة في المستقبل لأنها لم تعد تستطيع وقف هذا المسار. الآن لا تريد تركيا أن تواجه في شمال سوريا ما واجهته في شمال العراق ليكتمل "الطوق" الكردي جنوبا. لذلك كان التهديد باجتياح تلك المنطقة. ومع أن الحشود التركية على الحدود مع سوريا ترتبط بدعم المعارضة السورية المسلحة وتوفير خط دعم خلفي لها لمواجهة قوات النظام فإن من بين أهدافها الأساسية مساعدة "المعارضة المسلحة للسيطرة على المناطق الكردية لمنع حزب العمال الكردستاني من السيطرة عليها. وليست مستغربة الأنباء التي تشير إلى أن الآلاف من المسلحين الذي استهدفوا منطقة رأس العين في شمال سوريا قبل أيام ويتقدمون في اتجاه القامشلي كبرى المدن الكردية قد جاءوا من تركيا وفقا كل المعطيات الميدانية والتقارير الغربية والتركية. حرب تركيا الاستباقية تهدف ، كما لمواجهة حزب العمال الكردستاني، كذلك لتقطيع أوصال المنطق الكردية في شمال سوريا وتهجير سكانها لمنع وجود حالة كردية مادية على الأرض خصوصا أن عمليات القتل والتهجير قائمة على قدم وساق في سوريا وليس من فرصة أفضل من هذه لتركيا لتقضي على ما تعتبره خطرا مستقبليا عليها وهو ما يذكر بسياسات تطهير الدولة التركية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي للأكراد في مناطق جنوب شرق تركيا. وبمعزل عن نتائج هذا التورط فإن تركيا تخطئ إذا كانت تعتقد أن منع نشوء واقع كردي في شمال سوريا سيخرجها من مأزقها الأساسي في الداخل وهو أن كتلة من 12 مليون كردي لن تقبل، كحد أدنى، أقل من الحكم الذاتي.