16 سبتمبر 2025

تسجيل

الجامعة العربية لا تمثلنا

17 أكتوبر 2019

تصدر وسم #الجامعة العربية لا تمثلنا، منصة تويتر خلال الأيام القليلة الماضية التي أعقبت قيام الجامعة من غفوتها الطويلة المتكررة، بعد بدء عملية نبع السلام التركية في شمال شرق سوريا، ليجتمع الأشاوس العرب للتنديد بما أسموه " العدوان التركي" على سوريا! الجامعة العربية بتصرفها الأخير أضحكت الأولين والآخرين كثيرا – على رغم أنها مضحكة للعالم منذ زمن طويل – لكن بالبيان الأخير، أثبتت للعالم الواعي أن هذه الجامعة فعلاً غير واعية أو لا تعي ما يدور حولها. تقوم من سباتها العميق لتندد بتركيا وهي تخدم أمنها القومي، لتعتبر تحركاتها عدواناً، وكأن ما يفعله النظام السوري بشعبه منذ سنوات ثمان عجاف، رحمة ورأفة. أو كأن ما قامت به الطائرات الروسية من حرق وتدمير وإهلاك للحرث والنسل، مناورات عسكرية سلمية ! إنّ كياناً قام بوحي من بريطانيا الاستعمارية عبر وزير خارجيتها آنذاك أنتوني إيدن في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، لا يمكن أن يأتي بخير. ومتى أراد الاستعمار خيراً لمستعمراتها وشعوبها؟ فقد قال الوزير البريطاني يومها بأن:" كثيرين من مفكري العرب يرجون للشعوب العربية درجة من الوحدة أكبر مما هي عليه الآن، وحكومة صاحب الجلالة من ناحيتها ستؤيد كل التأييد أية خطة تلقى من العرب موافقة عامة". ولم تمض سنوات أربع حتى تم الإعلان عن الكيان بعد أن اختلف العرب المؤسسون منذ البداية على الاسم، ما بين الاتحاد العربي والتحالف العربي أو الجامعة العربية، حتى استقر الأمر على الاسم الحالي.. لتمضي الأيام بالجامعة، وتشهد نكسة بعد أخرى. بدءاً من احتلال فلسطين عام 48 إلى نكسة حزيران 67، إلى معاهدة كامب ديفيد عام 77 وهكذا من نكسة إلى أخرى أو من ضعف إلى ضعف أشد وتشرذم أوسع، حتى تحول هذا الكيان من جامعة عربية إلى مفرقة عربية. إن أي كيان يظهر للوجود نتيجة ظرف ما أو دافع معين، لن يكون ظهوره عادة سوى رد فعل، وغالباً يكون رد الفعل هذا مؤقتا لا يستمر بنفس الزخم، ما لم يتم تطويره وتحديث آليات عمله وتعديل استراتيجياته أولاً بأول، وإلا فإنه سيخرج عن مساره. الجامعة العربية نموذج واضح لمثل هذه النوعية من الكيانات المؤقتة، التي نادت في البداية من أجل تحرير الشعوب العربية من الاستعمار، وها هي كل الدول العربية خرجت وتخلصت منذ عقود عدة من طوق الاستعمار أو الاستخراب – إن صح التعبير – فماذا فعلت الجامعة بعد ذلك؟ نموذج آخر دفعنا سياق الحديث إلى ذكره، هو منظمة التعاون الإسلامي أو ما كان يسمى بمنظمة المؤتمر الإسلامي، التي قامت كرد فعل أيضاً على حرق الصهاينة أجزاء من المسجد الأقصى في أغسطس 1969، فانتفض زعماء العالم الإسلامي يومها ودعوا إلى تأسيس رابطة لمواجهة مثل تلك التهديدات، فما استطاعت منذ أن قامت، مواجهة أي تهديد صهيوني أو غيره، وها هي اليوم – على رغم أنها أكبر تجمع للدول بالعالم – لا تهش ولا تنش. مثال ثالث وأخير هو مجلس التعاون الخليجي الذي ظهر أيضاً كرد فعل على قيام ثورة الخميني في إيران بدايات 1979 والخشية من فكرة تصديرها، فقامت على عجل بإيحاء أمريكي، وظهر للوجود واستطاع في بداياته من تحقيق الهدف، لكن مع مرور الزمن وتكاثر الأهداف، أصابه الترهل شأنه شأن أي جسم مادي لا يتم الاهتمام به وإصلاحه وتطويره، حتى وصل به الأمر إلى العجز والفشل التام في أزمة حصار قطر، كأبرز أزمة داخلية بين أعضاء هذا الكيان منذ نشأته، دون حاجة لمزيد شروحات وتفصيلات. الجامعة العربية التي أكدت مواقفها الأخيرة لدى غالبية الشعوب العربية، وجاهة شكوكها حول أي تجمع أو تكتل عربي، وأنه غالباً لا تهدف تلك التكتلات والكيانات لتوحيد وتجميع العرب على مصلحة مشتركة، بقدر ما هي للتحزب من أجل مصالح محدودة ضيقة للبعض دون البعض الآخر، وربما أحياناً أخرى لتحقيق مصالح آخرين من خارج المنظومة العربية! من هذا المنطلق قد يحق لنا التساؤل عن جدوى بقاء كيان قديم هو في حكم المتهالك المهترئ، والمسمى اصطلاحاً بالجامعة العربية القابعة بميدان التحرير بالقاهرة.. فالجامعة إن لم تقم بأهم أدوارها والمتمثل في توحيد العرب ورص صفوفهم نحو هدف أو مصلحة مشتركة، فما عساه أن يكون الدور إذن؟ الجامعة العربية فرّقت العرب أكثر مما جمعتهم، وشواهد من التاريخ حاضرة وأكثر من أن نحصيها ها هنا. ذلك أن المرض الذي أصاب الجامعة مبكراً، ربما دفع بظهور مجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون العربي والاتحاد المغاربي في القرن الفائت.. نعم ظهرت تلك الكيانات وولدت، لكنها جميعاً ولدت هشة، بل كانت تحمل جينات الفرقة أو عدم الجدوى أو الفاعلية في أجسادها، فانتهت كلها تقريباً. لو كانت الجامعة العربية تؤدي دورها وتصلح حالها أولاً بأول منذ قيامها، ما ابتلعت إسرائيل أجزاء كبيرة من الوطن العربي، ولما رأينا كارثة الكويت عام 90، ولا فاجعة سقوط بغداد 2003 ولا آخرها أزمة حصار قطر، كأبرز الأمثلة على فواجعنا العربية على مدار أربعة وسبعين عاماً، هي عمر الجامعة. الجامعة العربية عبء على العرب، بل بحاجة إلى انتفاضة أو ربيع عربي لا يقل زخماً عن ربيع الشعوب العربية عام 2011. تحتاج إلى تفكير جاد جديد في مسألة الأمين العام، وضرورة اختيار من ينهض بالجامعة، لا أن يكون المنصب مقاماً يستريح فيه المتقاعدون من الخارجية المصرية، حتى تحولت الجامعة العربية إلى أشبه بإدارة من إدارات الخارجية المصرية! لابد من التفكير الجاد في مسألة المقر أيضاً. فلم تعد القاهرة بالمكان المناسب لجامعة العرب. مدينة مزدحمة غير مستقرة ولا آمنة كذلك، بالإضافة إلى أن الزمن قد فاتها، ومن العدالة أن تحظى عواصم عربية أخرى بفرصة احتضان المقر، وهذا الأمر ينطبق تماماً على مجلس التعاون الخليجي، ومثله منظمة التعاون الإسلامي، فإن تغيير البيئة المحيطة أحياناً كثيرة، يعد من الأسباب الرئيسية للنجاح والإبداع في أي مجال من مجالات الحياة العملية. يحق لنا التساؤل عن جدوى بقاء كيان قديم في حكم المتهالك والمسمى بالجامعة العربية abdulla.emadi@gmail