11 سبتمبر 2025
تسجيلفي مقال سابق تكلمنا عن حاجة المدن لبناء علامتها التجارية حتى تتموقع على الخريطة المحلية والدولية، وشرحنا دور الاتصال التسويقي المتكامل في بناء هذه العلامة، في هذا المقال سنحاول أن نشرح التحديات العديدة التي تواجهها المدن في بناء علامتها التجارية، ففي العقود الأخيرة أصبحت المدن تتنافس فيما بينها لتسويق نفسها، ونظرا للتغييرات التكنولوجية السريعة والانتقال من المحلي إلى الدولي تجتهد هذه المراكز الحضرية لتستقطب أكبر عدد من الزوار والمستمرين والسكان معتمدة على خصوصيتها الثقافية أو السياحية أو الصناعية أو التجارية..إلخ. يرى كفاراتزيس أن هذه المنافسة هي إحدى نتائج وتداعيات العولمة. فالمدينة، اليوم لا خيار لها إلا البحث المتواصل والمستمر على الاستراتيجيات الأنجع والأمثل لتسويق نفسها والتميز على المستوى الكوني. وهناك ثلاث مقاربات تستعملها المدن ذائعة الصيت وذات السمعة العالمية لتسويق نفسها هي الفعاليات الثقافية الضخمة، ترميم وتسويق التراث وبناء المباني والأبراج البارزة. يعتبر الاتصال التسويقي المتكامل من أحسن وأحدث وسائل التسويق الحديث كونه إستراتيجية منسجمة لوضع المدينة على خريطة المدن المحلية والعالمية التي تتمتع بسمعة وبعلامة تجارية. تعتمد صناعة العلامة التجارية للمدينة والمحافظة عليها بدرجة كبيرة على إقحام ممثلي الحكومة، القطاع الخاص، السياحة، الثقافة، وسائل الإعلام، والمجتمع المدني. إن نجاح مشاركة الجهات ذات الصلة في عملية بناء العلامة التجارية تتطلب الشراكة، بمعنى إعطاء هذه الجهات الفرصة لإبداء الرأي والمشاركة في المراحل المختلفة للعملية، والقيادة القوية والفعالة، أي القدرة على تجاوز الخلافات الداخلية وضمان التطور وفعالية صناعة القرار وكذلك الاستمرارية، كما أنها ضرورية للشراكة والقيادة لضمان إستراتيجية طويلة المدى وعلامة تجارية مستدامة. وكذلك رؤية مشتركة، بمعنى أن تكون هناك رؤية مستقبلية مشتركة بين الجهات ذات الصلة والجهة المسؤولة على بناء العلامة التجارية حتى تكون إستراتيجية بناء العلامة التجارية واضحة للجميع ومفهومة وخالية من كل أنواع الالتباسات وكذلك لمشاركة في الأنشطة التنفيذية، أي على الجهات ذات الصلة المشاركة في الأنشطة الضرورية واللازمة في كل مرحلة من مراحل تنفيذ إستراتيجية العلامة التجارية. يعتبر بناء وتطوير العلامة التجارية للمدينة عملية مركبة تشارك فيها عدة أطراف وجهات ذات العلاقة حيث إن كل جهة لها أجندتها ورؤيتها الخاصة للمدينة. فإشراك الجهات ذات العلاقة يضمن نجاح عملية بناء العلامة التجارية للمدينة كما يضمن شرعية واستمرارية العملية والمشاركة في المسؤوليات والتكاليف والالتزام على المدى الطويل. يوضح الشكل رقم 1 أدناه الجهات ذات العلاقة والتي تتمثل الجهات الفاعلة الرئيسية في تسويق المدينة في الفاعلين المحليين من القطاع العام كرئيس البلدية والمجلس البلدي، إدارة التخطيط العمراني، إدارة التطوير الصناعي والسياحي، المكتب السياحي، مكتب الاستعلامات ومديري الصحة والتربية والنقل. أما بالنسبة للقطاع الخاص فيمثله المقاولون والوكالات العقارية، البنوك والمؤسسات المالية، شركات الكهرباء والغاز والماء، غرفة التجارة والصناعة، منظمات الأعمال المحلية، الفنادق والمراكز التجارية ووكالات السفر والسياحة. أما بالنسبة للفاعلين الجهويين فنجد من بينهم وكالات التنمية الاقتصادية والمجالس الجهوية للسياحة والممثلين الجهويين للحكومة والدولة. يمثل الفاعلون على المستوى الوطني الساسة ومختلف الوزارات والاتحادات الوطنية. وأخيرا يجب كذلك إشراك السفارات والقنصليات وغرف التجارة الدولية. فالجهات ذات الصلة كل واحدة من موقعها وتخصصها وخصوصيتها تستطيع أن تقدم الإضافة وتساهم برؤيتها ونظرتها وفلسفتها لتسويق المدينة وللمساهمة في تحديد سمات علامتها التجارية. وإذا انطلقنا من مبدأ أن الاتصال التسويقي المتكامل هو مقاربة شاملة للتسويق فهذا يعني أن إشراك الأطراف العديدة والمختلفة في شؤون المدينة أمر لا مفر منه. من أهم التحديات التي تواجه المدن في عملية صناعة علامتها التجارية الحاجة إلى الإبداع في كافة الإدارات والعناصر الموجودة في أي مؤسسة، فصناعة العلامة التجارية لا يجب أن تقتصر على إدارة التسويق أو الإعلانات أو العلاقات العامة أو أي إدارة وحدها فقط، ولكن لا بد من التكامل بين كافة الإدارات والتناغم والتنسيق المستمر. فالإبداع يبدأ من مراحل الإعداد وتحديد الميزانية مع ضرورة أن يكون الإبداع في التسويق سياسة عامة ومستدامة في قواعد المؤسسة وعلى مختلف الأصعدة. كل هذا يتطلب ضرورة وجود عقل مركزي يدير ويربط جميع الأنشطة التسويقية والإعلانية في كافة الإدارات مع بعضها البعض. من أهم التحديات التي تواجهها المدن في بناء علامتها التجارية كذلك مواكبة التغيرات على المستوى المحلي والعالمي فيما يخص وسائل وآليات الاتصال حيث إن التعامل مع البيئة الافتراضية وشبكات التواصل الاجتماعي أصبح أمرا لا مفر منه وأن الاستثمار في المواقع على الانترنيت والتطبيقات الحاسوبية الجديدة أثبت نجاحه في الكثير من الحالات. تعتبر عملية صناعة العلامة التجارية (branding) من أهم التحديات التي تواجهها المدن في مختلف دول العالم لاستقطاب التجار والمستثمرين والمبدعين والسياح والزوار والفضوليين من عامة الشعب وكذلك الأنشطة والفعاليات. مواجهة هذه التحديات تتطلب استراتيجيات وخططا وبرامج للتسويق وصناعة العلامة التجارية لتحسين صورتها وضمان تموقعها (positioning) على الصعيد المحلي والدولي. إن صناعة العلامة التجارية للمدينة أصبحت من أولويات الإنماء والتطوير الحضري والمشرفين على المدن الذين يواجهون يوما بعد يوم مئات الأسئلة الجديدة: ما هي العلامة التجارية للمدينة؟ كيف يتم تطويرها؟ ومن يشرف على هذا التطوير ومع من؟ وكيف تُدار هذه العلامة؟ وما هي الآليات للمحافظة عليها؟ المنافسة شرسة والتحدي يتطلب عمل دؤوب يقوم على البحث والتخطيط وتحديد إستراتيجية واضحة المعالم للوصول إلى الأهداف المرجوة. تجدر الإشارة كذلك إلى أن عملية صناعة العلامة التجارية للمدينة عملية مستمرة لا تتوقف وتتطلب فترة زمنية معتبرة كما أنها تعتمد على جهات مختلفة تشارك في عملية التصميم والتمويل والتنفيذ. وإلى جانب إشراك الجهات ذات العلاقة (stakeholders) في عملية صناعة العلامة التجارية للمدينة ينبغي أن يكون هناك فريق عمل متكامل يتميز بالكفاءة والرؤية الإستراتيجية والقيادة لتصميم البرامج وتنفيذها في أرض الواقع ومتابعتها وتقييمها .