19 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم تشكل تصريحات قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي التي نشرتها صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية مفاجأة لأحد. قهوجي كشف في تصريحاته أن "تنظيم "داعش" يعتمد على خلايا نائمة في طرابلس وعكار، ودعم بعض القوى في الطائفة السنية في لبنان". فالإجراءات الأمنية الاستثنائية التي ينفذها الجيش اللبناني في طرابلس وقرى عكار والاعتقالات والمداهمات التي تطال لبنانيين وسوريين في هذه المناطق شكلت مؤشراً واضحاً على الأهمية الخاصة التي توليها الأجهزة الأمنية لهذه المنطقة.لم يكن منتظراً من قائد الجيش أن يُفصح أمام وسائل الإعلام عن المعلومات التي استند إليها لاتهام منطقة كاملة بإيواء خلايا لتنظيم الدولة الإسلامية، لكن أي عاقل يفترض أن قيادة الجيش استبقت كلام قائدها بإعلان حالة استنفار داخلية، لمحاصرة الخلايا النائمة التي تحدث عنها العماد قهوجي ومواجهة تمددها. لاسيَّما أن خطر هذا التنظيم أصاب المؤسسة العسكرية نفسها، بعد إعلان عدد من جنودها انشقاقهم وانضمامهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة.حالات الانشقاق هذه ربما ليست ذات أهمية كبيرة، حسب بيانات قيادة الجيش. فهي مازالت في إطارها الفردي، الذي تصر المؤسسة العسكرية على تسخيفه. فتارة تقول إن أحد المنشقين كان يعاني من اضطرابات عصبية، وتارة أخرى تكشف أن آخر كان مُحالاً للمحاكمة العسكرية بتهمة التمرد وتعاطي المخدرات. علماً أن هذه الاتهامات –في حال صحتها- فإنها لا تُطمئن اللبنانيين بل تزيدهم قلقاً على المؤسسة العسكرية، وتطرح تساؤلات حول تماسك وضعها الداخلي.أن تُكابر المؤسسة العسكرية في بياناتها الإعلامية وتؤكد أن أمورها بخير ولا داع للقلق عليها، فهذا ليس جديداً. فقد اعتاد اللبنانيون، أن الأولوية بالنسبة للجيش هي الحرص على هيبة المؤسسة العسكرية ومعنويات عناصرها، حتى ولو كان من ضرائب هذا الحرص مخالفة القانون والإساءة لكرامات الناس. لكن أن تكون المكابرة شعوراً حقيقياً لقيادة الجيش فهذا يدعو للقلق. لأن جميع اللبنانيين يدركون أن المؤسسة العسكرية لم تكن يوماً من الأيام بعيدة عن الواقع اللبناني، ولا عن مشاكله. ومن الطبيعي أن تعاني هذه المؤسسة من الأمراض التي تفتك بالنسيج اللبناني، لأنها انعكاس له. فضباط المؤسسة العسكرية وأفرادها هم أبي وأخي وابني وابن عمي وجاري الذين يسمعون ويشاهدون ما يدور حولهم، وهم ليسوا ملائكة ولم ينضموا إلى الجيش من المريخ. كما أن جميع اللبنانيين يدركون أن المؤسسة العسكرية مرت في مراحل سابقة بمحطات قاتمة في تاريخها، ولعلنا هذه الأيام نستذكر أحداث 13 أكتوبر 1989 التي شكلت خاتمة الحرب الأهلية، يوم كان الجيش جيشين: جيش في المنطقة الشرقية لبيروت (المسيحية) بقيادة العماد ميشال عون، وآخر في المنطقة الغربية لبيروت (المسلمة) بقيادة اللواء سامي الخطيب. واللبنانيون يذكرون أيضاً أن أحد مخارج الاقتتال الداخلي كان بضم الميليشيات المتناحرة إلى صفوف الجيش، فتوزع المسلحون الذين كانت ولاءاتهم لهذا الزعيم أو ذاك الحزب ضباطاً وعناصر على وحدات الجيش وألويته. هذا عدا عن حقيقة لا ينكرها أحد، وهي أن إرادة المؤسسة العسكرية كانت طوال حقبة الوصاية السورية على لبنان مرهونة لمصلحة هذه الوصاية وإرادة مدير جهاز الأمن والاستطلاع في المخابرات السورية، الذي كان يملك قرار جميع الأجهزة الأمنية اللبنانية ويضبط إيقاعها. لذلك لا يجدر بالمستميتين في الدفاع عن المؤسسة العسكرية أن يستهجنوا توجيه الاتهام للجيش بالانحياز إلى جانب طرف في مواجهة طرف آخر، كما يجدر بقيادة الجيش أن تتعاطى مع أي اتهام يوجه إليها بتواضع وحكمة بعيداً عن أي تكابر وتقديس. فهل هي صدفة أن يعلن جميع الجنود الذين انشقوا من الجيش أن سبب انشقاقهم هو سيطرة حزب الله على قرار الجيش وتحكمه بمفاصله؟! هو اتهام خطير يميل إليه كثير من اللبنانيين ويتمنون أن يكون خاطئاً، لكن ماذا فعلت قيادة الجيش لإقناع الرأي العام ببطلانه؟ هل يكون الحل بمراقبة ضباط وعناصر الجيش السنّة وترهيبهم خشية انشقاقهم؟ هل يكون بمداهمة منازل الجنود المنشقين وإعلان ذويهم تبرؤهم من أبنائهم؟ هل يكون بامتناع وسائل الإعلام عن الإشارة لأخطاء الجيش ومخالفاته التي أكدتها تقارير حقوقية دولية؟ هل يكون بتنظيم بعض المتزلفين والمنتفعين لقاءات واعتصامات مؤيدة للجيش وإطلاق تصريحات تعتبر أي مساس به خطاً أحمر؟!مخطئة قيادة الجيش إن ظنت أن هذه الإجراءات ستبيّض صفحتها وتمنحها صك براءة عن أخطاء ربما تكون ارتكبتها. فالتنظيمات المسلحة ربما تكون نجحت في اختراق الجيش والتغرير ببعض عناصره مما أدى لانشقاقهم، لكن ربما تكون الانشقاقات ليس حباً بداعش أو جبهة النصرة، بل نتيجة تراكمات وغضب داخلي من أداء القيادة العسكرية. فبالنسبة لكثيرين، ليس منطقياً أن يقف الجيش متفرجاً أمام آلاف المسلحين من عناصر حزب الله وهم يدخلون ويقاتلون في سوريا، بينما يُلاحق آخرون لأنه كان في نيتهم القتال في سوريا!!على قيادة الجيش أن تقدم للبنانيين أسباباً مقنعة لأدائها، حتى لا تتحوّل الانشقاقات الفردية إلى جماعية.