12 سبتمبر 2025

تسجيل

نظام بشار وسلطة رام الله.. وماذا بعد؟

17 أكتوبر 2013

بعد تأكيد عباس زكي أنه مبعوث رسمي في مهمة سياسية من محمود عباس رئيس سلطة الحكم الذاتي في رام الله لبشار الأسد.. لم يبق مجال لإنكار أن هذه الزيارات المتلاحقة والمتنوعة تأتي في سياق التقارب ومحاولات الاحتواء الصهيوني الغربي لمعسكر (إيران - سوريا - حزب نصر الله) فإذا كان التقارب – أي تقارب – لابد أن يقوم على أساس منطقي وعلى مصالح أو تقارب في الرؤى السياسية تجاه قضية مركزية أو مصلحة إستراتيجية، فإن السؤال هو ما الأساس الذي يقوم عليه التقارب خصوصا وأن بين الطرفين دماء وأشلاء ومجازر منذ ثلاثين سنة أو يزيد؟ هل هو تقارب طاهر لصالح القضية الفلسطينية كالذي كان ذات يوم بين النظام وحماس أم هو شيء آخر؟ وهل يستطيع النظام أن يعوض بفتح وسلطتها ما خسره بابتعاد حماس عنه؟ لن نسأل فتح وسلطتها إن كانت تستطيع أن تقنع شعبها بهذا التحالف فهي لا تأبه بشعبها ولا برأيه وقناعاته وقبوله أو رفضه أصلا.. ولكن السؤال: ما الذي تستطيع أن تقدمه للنظام؟ وأرى أنه لابد في البداية من جمع الصورة الإجمالية للموقفين، وتشخيص ما طرأ عليهما من تحولات ومن ثم البحث بعد ذلك في الدلالات والمستخلصات.. وأقول:  المتيقن هو أن حماس ليست من السذاجة ولا التهور لتفرط في تحالف مع النظام السوري الذي استفادت منه لذاتها ولقضيتها الكثير، ولم تكن لترفض كل محاولاته لخطب ودها واستعادة الأيام الخوالي مرارا وتكرارا لسبب بسيط ممكن تجاوزه، بالأخص هي لا تستغنى عن هذه الاستفادات.. ذلك كله يقين والمصلحة فيه راجحة والضرورة الملجئة فيه واضحة.. النظام السوري أيضا ويقينا هو الآخر لم يكن ليترك مصالحة في تحالف مع حماس النظيفة الناصعة والقوية والبارعة والوطنية والناصعة التي قصفت تل أبيب وأمّنت نفسها في غزة ولها في العالمين العربي والإسلامي كل هذا الرواج والاحترام والمستقبل والعافية ليستبدلها بسلطة ضعيفة تائهة متهمة متدهنة بالاحتلال، وفي أحسن الأحوال لا تملك من أمر نفسها قليلا ولا كثيرا فضلا عن أن تنفعه بهذا القليل أو الكثير.. فما بالك وهي تعصف بها الانحشارات والأزمات والانغلاقات وفقدان البوصلة والفضائح المالية والصراعات الداخلية؟ (آخر فضائح هذه السلطة (تقرير"الصندي تايمز" البريطانية يوم الإثنين الماضي 14 / 10 حول اختفاء نحو 2.5 مليار دولار أمريكي من مساعدات تلقتها من الاتحاد الأوروبي خلال الأربع سنوات ما بين 2008 و2012.. التقرير أعده فريق التحقيق الأوروبي الذي بعثته " المحكمة الأوروبية للرقابة على أداء الاتحاد " وقد عزا اختفاء هذه المليارات لسوء إدارة الجانب الفلسطيني، والهدر الكبير في المصروفات، وحالات الفساد.. إلخ).  نعود للسؤال عن علاقة السلطة بالنظام السوري في هذه الفترة، وأسباب تقبله لها وسعيها له.. فأقول: الذي حدث هو أن النظام السوري تورط في حرب ضد شعبه، وقام في سياق ذلك بما لا يمكن لحماس أن تقبله تحت أي اعتبار؛ فقد أطلق حربا إبادية غبية طائفية ضد شعبه، وفتح على أساسها بلاده لإيران وحزب نصر الله اللبناني وقوى تابعة لصنيعة أمريكا في العراق ما يعد خيانة عظمى وجريمة مكتملة.. ثم قام يريد استخدام وجاهة القضية الفلسطينية ورصيده في دعم مقاومتها لتبرير هذه الجرائم وهذا الاستقواء على شعبه المسكين.. فما كان من حماس إلا أن رفضت شهادة الزور وممالأة الظالم هذه.. وأنى لها أن تقبل بهذه الخلطة (الخلطبيطة) وهي حركة تحرر وطني لا يمكن أن تتآمر على الحرية في أي مكان وضد أي كان، ودعوة إسلامية لا يمكن أن تتآمر على الإسلام تحت أي مسوغ، وأن اتجاها أخلاقيا طهوريا لا يمكن أن يتدنس بتأييد طاغية ظالم فاجر باغ، وهي تؤمن بالقرآن وتفهمه وتلتزمه وتقرأ فيه قول الله تعالى (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى).. لذلك لم يجد النظام السوري ضالته أو بغيته في حماس.. وحماس أيضا لم تكن لتنتظر سببا آخر للابتعاد عنه فبادرت لذلك رغم محاولاته مجاملتها وخطب ودها.. لقد تركت حماس النظام السوري وتركت معه جملة المكتسبات التي ظلت ترفل في نعيمها لأكثر من 13 عاما مضى ولسان حالها يقول " من أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن أرضى الناس في سخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ".  أما منظمة فتح والسلطة فهي تتصرف منسجمة مع براغماتيتها وتاريخها ومع ضروراتها ومصالحها ومع ما اعتادته من التدخل في شؤون الآخرين (الأردن ولبنان والكويت والعراق ومصر حاليا أمثلة ودلائل على ذلك) ولست أبرر لها، ولا أعتقد أنها تفعل الصواب.. ولكنها " في هذه المرة بالنسبة لما سبق واعتادت " كمن يغرق في البحر فلا يأبه برش المطر".. أما من الناحية السياسية الصرفة فقد وجدت السلطة ومنظمتها مساحة فارغة تركتها حماس، ووجدت نظاما متهرئا متهتكا يسعى لحليف فلسطيني يداري به خيبته ولو كان الشيطان.. فما الذي يمنعها عما تظنه منجاها وملجأها؟ فاجتمع الطرفان على مناكفة واحدة، وإثم واحد، وعداوة واحدة، والأكيد أنها تمنّي نفسها أنها بهذا الحلف الجديد إضافة لحلفها مع (إسرائيل) وصنائع (إسرائيل) في المنطقة – سوف تطوق حماس وتخضعها أو تنهيها.. هذا شيء، والشيء الآخر هو أن السلطة تقوم بدور السنارة أو الملقاط في اصطياد نظام الأسد واحتوائه لصالح الغرب وإسرائيل وأمريكا.. بما يتسق ويتوازى مع محاولات أطراف أخرى تقوم بذات الدور مع إيران.  على ذلك فإن تقارب السلطة مع النظام السوري يمكن تقويمه والنظر إليه على أنه: 1- نوع من لعق الصحون وقمٌّ ما أسقطته وزهدت فيه حماس فلتهنأ به 2- فتح وسلطتها تتقبلان النظام السوري خاليا من المقاومة، فلا قياس ولا سواء مع ما كانت تتقبله حماس منه وعليه 3- تقارب منظمة فتح وسلطتها مع هذا النظام يأتي حال تلبسه بجريمة الطائفية وقتل شعبه وحال غرقه في قتل الفلسطينيين وتآمره على المقاومة وهو انقلاب جديد إضافي على القضية الفلسطينية يذكرنا بانقلاباتهم الكثيرة عليها وعلى الشرعية الثورية والانتخابية وعلى الشعب الفلسطيني من قبل، وهو يذكرنا بانقلابهم على الانتفاضة الأولى باتفاق أوسلو، وانقلابهم على الانتفاضة الثانية بتغيير القيادة ثم دعوى وحدانية السلاح ثم الانتخابات التشريعية، وانقلابهم على انتخابات 2006 بالحرب الأهلية وفرق الموت التي أودت بالوحدة الوطنية وقسمت الوطن.. إلى آخر هذه السلسلة البائسة الآثمة التي ليس آخرها التنسيق الأمني ضد المقاومة، ولن تنتهي بالتآمر مع العدو ومع السيسي لغزو غزة 4- هذا كله لا يوصف في معايير السياسة والثقافة وعالم الأخلاق والقيم إلا خروجا على الوطن، وقصر نظر، وسقوط يتحاشاه العقلاء النبلاء، ولا يفكر فيه إلا السفهاء التائهون ولا يلج إليه إلا المغامرون الذين لا يفكرون في مآلات الأمور ولا يحسبون حساب الغد وما قد يأتي به. آخر القول: نظام بشار الأسد نظام هالك مضطرب تائه لا يكاد يحمي رأسه، وما بقاؤه إلا اعتمادا على تقبل الغرب لفكرة (دعوه يهدم سوريا) وأما منظمة فتح وسلطتها فهي أكثر منه بؤسا ولا تملك ما يطمع أن يناله بها أو منها.. وأما غزة ومقاومتها فهي أثبت رسوخا وأعمق مدى من أن تهزها مناورات الخائبين أو أن يقطع طريقها البلهاء والتائهون.. كل هذا المشهد الكيدي الباهت البارد الجامد أرى أنه يعبر عنه المثل الفلسطيني الذي يقول " التم المتعوس على خايب الرجا " وبوركتم.