12 سبتمبر 2025

تسجيل

جراح السلام

17 سبتمبر 2018

ربع قرن بالتمام والكمال مرّ على توقيع اتفاق أوسلو التاريخي الذي كان من المفترض أن يمهد الطريق أمام اتفاق شامل يضع حداً للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ويخلق ظروف المصالحة التاريخية المنشودة آنذاك، غير أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث. فما أن وقع اسحق رابين وياسر عرفات اتفاق أوسلو في الثالث عشر من سبتمبر 1993 حتى بدأ اليمين الإسرائيلي حملة التحريض المسعورة التي انتهت بمقتل رابين على يد طالب إسرائيلي يدعى ايغال عمير كان يدرس بجامعة بار إيلان اليمينية. الفشل في خلق ظروف المصالحة التاريخية بين الفلسطينيين والإسرائيليين كان سببه غياب الثقة بين الجانبين، فاستمرار إسرائيل بالنشاطات الاستيطانية ومضاعفة عدد المستوطنين دق ناقوس الخطر عند الفلسطينيين الذين كانوا يرون بأن إسرائيل تتصرف بسوء نية، فلا يعقل أن يكون في نية إسرائيل منح الفلسطينيين حقهم في دولة مستقلة في وقت عملت بشكل ممنهج لابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية عن طريق خلق وقائع جديدة على أرض من المفترض الانسحاب منها. وعلى نحو لافت قام اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو بتفريغ اتفاق أوسلو من محتواه، وما أن مارس نتنياهو سلطاته كرئيس للحكومة عام 1996 حتى بدأ بإدخال مفهوم التبادلية وإعادة التفاوض على ملفات أنجزت من قبل، بمعنى أن أي التزام إسرائيلي بتنفيذ بنود اتفاق أوسلو ينبغي أن يسبقها التزام فلسطيني بالحفاظ على أمن إسرائيل، وكان الأمر سيكون مقبولا لو أن الحكومة الإسرائيلية أوقفت العمليات التي كانت قطعان المستوطنين تقوم بها من تحريض وتحرش واستفزاز وتقتيل بالفلسطينيين. غير أن حكومة نتنياهو كانت تستغل كل ردة فعل فلسطينية لتقدمها في سياق لعبة شيطنة الجانب الفلسطيني وحرمانه من حقه في إقامة دولة مستقلة. وبددت إسرائيل الفرصة التي لاحت لتحقيق السلام بعد أن صعد إيهود باراك إلى سدة الحكم، فالأخير كان مقيداً بائتلاف حكومي يرفض السلام مع الفلسطينيين من حيث المبدأ، وجاءت محاولات إيهود باراك بائسة وغير حقيقية، وفي النهاية أججت الموقف وسمحت بخلق ظروف انتفاضة الأقصى بعد أن بلغ مستوى الثقة بين الجانبين إلى نقطة متدنية جدا. والحق أن الولايات المتحدة أصبحت جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل، وكانت فترتي الرئيس بوش وبالاً على عملية السلام ونعيما على اليمين الإسرائيلي الذي بدأ يقدم حربه الشرسة ضد الفلسطينيين وضد السلام في سياق الحرب الكونية ضد الإرهاب. وبالفعل اعتبرت إدارة بوش بأن الرئيس عرفات ليس بذي صلة. لم يعد هناك من بين الإسرائيليين من يتحدث بجدية عن حل الدولتين، فإسرائيل باتت قوية جدا بحيث لا يمكن أن تقدم ما قدمه باراك في قمة كامب ديفيد ورفضه الفلسطينيون، كما أن الفلسطينيين وصلوا إلى نقطة من الضعف والانقسام بحيث لا يمكن لهم أن يقبلوا بأقل ما قدمه باراك في تلك القمة! وزاد من الطين بلة احتضان إدارة ترامب للمواقف اليمينية الإسرائيلية، فالرئيس ترامب يحاول جاهدا ترجمة المقولات والأفكار الإسرائيلية إلى سياسات كان آخرها محاولة القضاء كلياً على منظمة الأونروا حتى يطوى ملف اللاجئين مرة وللأبد. الكثيرون من بين الفلسطينيين يرون بأن خيار أوسلو كان كارثيا بدليل النتائج، ولعل من الصعب أن تجد من بينهم ما يمكن أن يدافع عن هذه المقاربة التي أفضت إلى تكريس الاحتلال الإسرائيلي وتلاشي آمال الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وربما هناك حالة من الكآبة الوطنية المرتبطة بفشل المقاربة برمتها تركت جراحاً لا أعرف إن كان الزمن كفيلا بشفائها.