11 سبتمبر 2025

تسجيل

سفينة أزمة الحصار.. ونواخذتها

17 سبتمبر 2017

قالوا في الأمثال إن "نوخذين في مركب يطبع" مثل شعبي قطري يدل على الضلالة والضياع، والتخبط في اتخاذ القرار الصائب للنجاة بالمركب، والوصول به إلى بر الأمان في ظل تعارض توجهات قادة الأمة (النواخذة). والمثل يدل على حتمية الاختلاف بين نواخذة المركب الواحد أو السفينة الواحدة فيما يتعلق بتوجيهها إلى مرساها أو إلى وجهتها الصحيحة تفاديا للعاصفة والرياح البحرية العاتية، والأمواج المتلاطمة العالية، ولذا، فليس من الحكمة أن يجتمع اثنان من النواخذة على مركب واحد، فيوجه هذا، ويعارض هذا، وخيرهما في الاتفاق وعدم التعارض من أجل بقاء السفينة على سطح البحر سالمة آمنة حاملة ركابها وعتادها إلى حيث يريد ربانها. فمكمن الخطورة إذن في اختلاف النواخذة حول توجيه السفينة، والسير بها بعيدا عن مكامن الخطر، سواء أكان ذلك في اتجاه الرياح أو الاتجاه المعاكس لها. هذا في حالة الاختلاف على تحديد سير السفينة وتوجيهها، أما في حالة الاختلاف على قرار تحريك السفينة من عدمه، فالأمر أدهى وأمر، والخطورة أشد وأكبر، وفرصة النجاة بلا شك معدومة، مما يعني انتظار الكارثة، والانتحار بإصرار وتعنت في غياب تام للعقل والمنطق. وهذا هو بالضبط ما يحدث مع نواخذة دول الحصار المختلفين فيما بينهم بشأن التقدم إلى الأمام لحل الأزمة الخليجية، في ظل فرصة مواتية للحوار الهادف إلى الخروج من المأزق، وحماية ماء الوجه أمام العالم بأسره المعارض لقرار الحصار في ظل غياب المبررات المقنعة، وذلك بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه أمير دولة قطر الشيخ/ تميم بن حمد آل ثاني بسمو ولي العهد السعودي الأمير/ محمد بن سلمان آل سعود في إطار الترتيبات والتنسيقات المتبادلة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي تم الترحيب به ومباركته من قبل الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، والذي تم التوصل من خلاله إلى اتفاق يقضي بتشكيل فرق التفاوض لكل الأطراف، وكانت بادرة خير لحل الأزمة الخليجية بالحوار والتفاوض وتصفية الأجواء الملبدة بالسحب والغيوم السوداء الداكنة، والمشحونة بالملوثات والمهاترات الإعلامية، والذباب الإلكتروني الخبيث، والسخف والإسفاف الإعلامي الهابط. وقد أشعل هذا الاتصال منصات التواصل الاجتماعي (تويتر، والفيس بوك،.. وغيرها)، حيث زخرت بالتعليقات والتعقيبات الإيجابية والتهليلات وتعبيرات الترحيب، والتغريدات المعبرة عن البهجة والفرحة والسرور، وتباشير انقشاع الغمة، فترددت التعبيرات الصادقة من المغردين الإلكترونيين تعبيرا عما يجول في الخواطر من مشاعر صادقة حول إعادة اللحمة الخليجية، ولم الشمل، ونبذ الفرقة. وهذا يدل على أن الحوار بين الأشقاء الخليجين مطلب جماهيري خليجي وعربي، فلا أحد يريد الشقاق والفرقة بين بني الجنس العربي الواحد. ولكن للأسف لم يدم ذلك طويلا، ولم يأخذ التعبير الصادق وتبادل المشاعر الصادقة وقته، ولم يعط الفرصة لتلاقح الأفكار والتعبير عن الأخوة، فسرعان ما فتر هذا الشعور عند الجمهور الخليجي، وتبلدت المشاعر، وخابت الآمال حين نقض العهد وألغي الاتفاق القصير الأجل، وتراجع ولي العهد السعودي عن موافقته، وأمر بتعليق الاتصال وتجميد التواصل مع أشقائه في قطر، وتعذر في ذلك بما وصفه بتحوير وكالة الأنباء القطرية لما دار في الاتصال الهاتفي بين الدوحة والرياض، حيث نفت الرياض أن يكون الاتصال قد تم بناء على تنسيق بين الولايات المتحدة وكل من الدوحة والرياض، وادعت الرياض أن الاتصال كان بناء على طلب قطر في التحاور مع دول الحصار الأربع حول المطالب، مما يعكس رغبة السعودية في إذلال شقيقتها الصغرى قطر، وإظهارها للعالم بمظهر الخضوع والانكسار، وكأنها ضاقت ذرعا بالحصار واستسلمت، وبادرت بالاتصال. وبذلك تنكر السعودية حقيقة التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وما قام به الرئيس الأمريكي من اتصالات بقادة دول الأزمة الخليجية ساعيا إلى حلحلة الموقف، والعودة إلى طاولة المفاوضات. ولكن الحق ظاهر لا محالة ومهما حاول المغرضون إخفاءه، إذ أكدت الصحف الأمريكية من جانبها في اليوم التالي صحة الرواية القطرية، وتزييف الرواية السعودية، وتكذيبها. ولكن التعنت السعودي أكبر وأشد من الاعتراف بالحق والحقيقة، وذلك لعدة اعتبارات يمكن التنبؤ بها تحليليا في الجزء المتبقي من المقالة. ويمكن أن يتم التحليل من خلال مجموعة من الأسئلة المباشرة الموجهة للمملكة العربية السعودية مثل.. ما هذا الموقف المتذبذب يا شقيقتنا الكبرى؟ ولماذا التراجع عن الموافقة على الحوار مع قطر، ولماذا تضيع السعودية هذه الفرصة السانحة للحوار الضامن على أقل تقدير لحماية ماء الوجه؟ وهل هذا التراجع يعكس الموقف الحقيقي للسعودية؟ أليس في هذا التراجع حرج للحكومة السعودية؟ ولماذا تُعَرض السعودية سمعتها للحرج مع العالم بأسره، ومع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من أجل إرضاء بعض قادة دول الحصار؟ أليست السعودية هي الآمرة الناهية في هذه الأزمة، أم ماذا؟ مواقف سعودية محيرة، وأسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن في ظل الموقف السعودي المتذبذب المهزوز في ترددها من الأزمة مع قطر؟ والأهم من كل هذه الأسئلة هو سؤال واحد، وهو.. هل السعودية فعلا راغبة في حل الأزمة مع قطر؟ وإذا كانت كذلك، فلم التراجع عن الموافقة بعد أقل من ساعة من إطلاقها؟ وهل كان التراجع بالفعل ناجما عما ادعته من حجة واهية حول تزيف قطر لواقع الاتصال الهاتفي في إطار التنسيق مع الرئيس الأمريكي ترامب؟ أم أن القرار متأثر بالتشاور مع قادة دول الحصار؟ فإذا كان الأمر كذلك، فأين الإرادة السياسية السعودية إذن. ومن هنا يمكن القول إن القرار ليس قرارا سعوديا محضا، بل هو قرار نواخذة دول الحصار الأربع، ولذا، فلا بد للمركب أن يطبع (أو يغرق) لأنه لم تتم الموافقة على توجيهه الوجهة الصحيحة، فاختلف النواخذة، وتحتم مصير المركب المتمثل في أزمة الحصار، وهو الغرق، والخسارة، والضرر، الذي يطال الجميع دون استثناء. فالكل خاسر، ولا رابح من هذا الحصار إلا أعداء الأمة والمتصيدين في الماء العكر. وتجسيدا للموقف، وتصديقا للمثل أعلاه، وتسليما بمفرداته، فيمكن إثارة السؤال التالي: إذا كان "نوخذين في مركب يطبع" فكيف بأربعة نواخذة؟ فالنتيجة ليست الغرق فحسب، بل الغرق، والتدمير، والهلاك، وتلوث مياه الخليج العربي، وشق الصف الخليجي، والانشقاق، وجروح كثيرة لا تندمل مع مرور الزمن.