20 سبتمبر 2025
تسجيلبعد ما أن راهن الممثل الأمريكي والناشط السياسي جورج كلوني على دولة جنوب السودان الوليدة التي دعم فصلها عن الوطن الأم بكل ما أوتي من ثروات وسطوة إعلامية، يذرف اليوم دمعا سخينا على مآل الدولة الغارقة في الفساد والحرب العرقية المدمرة. وظل كلوني الذي عين في سنة 2008 رسول السلام التابع للأمم المتحدة، يقول إن إنهاء حكم الرئيس عمر البشير ضمن أكثر الأولويات التي يعمل عليها، داعيا حكومة بلاده لوضع المسألة السودانية ضمن القضايا الخارجية المهمة للولايات المتحدة، بحيث يظل في إطار الرؤية الإستراتيجية الأمريكية للمنطقة. وسبق أن تم احتجاز كلوني في مارس 2012، بعد المشاركة في مظاهرة أمام سفارة السودان في واشنطن للتنديد بحكم الرئيس عمر البشير. وقد عبر كلوني عن سعادة غامرة بانفصال جنوب السودان في العام 2011 قائلا إن دولة جنوب السودان الوليدة موعودة برفاه ممتد وتنمية واسعة، بيد أن الرجل يقول بالصوت العالي إن هناك أدلة مفصّلة وغير قابلة للدحض تؤكد فساد النخب الجنوبية الحاكمة، وأنه قد حان الوقت كي يتحرك العالم.وأسهم كلوني في تأسيس منظمة "كفاية"، التي تولي اهتمامًا كبيرًا بأوضاع حقوق الإنسان، خاصة في جنوب السودان. وذكر تقرير للمنظمة أعد بطلب من كلوني نفسه، ونشر بالولايات المتحدة، بعد سنتين من البحث عن أدلة وجمع شهادات، إلى الرئيس سلفا كير ونائبه السابق وزعيم المعارضة رياك مشار، بالإضافة إلى عدد من قادة الجيش، باعتبارهم "مستفيدين" من النزاع الأهلي في البلاد. وأورد التقرير أن عائلات النخب الجنوبية الحاكمة "تعيش غالبا في الخارج في قصور فارهة ثمنها ملايين الدولارات وتمضي إجازاتها في فنادق خمسة نجوم وتستفيد من نظام المحسوبية وصفقات الشركات المشبوهة".وجاءت اتهامات كلوني متزامنة مع اتهامات وجهتها الأمم المتحدة في تقرير لها مؤخرًا، إلى القيادة العليا لجيش جنوب السودان بارتكاب انتهاكات بموافقة الرئيس سلفا خلال المواجهات التي جرت يوليو الماضي في جوبا بين القوات الحكومية وأنصار النائب السابق مشار، وأفاد التقرير بأن الممارسات غير المسبوقة التي رافقت هذه المعارك من أعمال نهب وعنف وجرائم اغتصاب جماعي لعاملات في منظمات دولية لم يرتكبها جنود متمردون فقط.وبعد أن قلب كلوني ظهر المجن لحكومة جوبا وتحول بجبروته الإعلامي من الصديق الحميم إلى العدو اللدود، أعلنت جوبا، عن عزمها مقاضاة منظمة كلوني بعد اتهامها سلفاكير بـالفساد المالي، واعتبرت جوبا أن كلوني سعى للإساءة لسمعة رئيس البلاد، ووصف متحدث باسم الحكومة تقرير المنظمة بأنه "حماقة مطلقة".لقد أسست الحركة الشعبية الحاكمة المتهمة بالفساد خطابها للجنوبيين من لدن الإدارة الأمريكية عامة وكلوني خاصة، على أن الدولة الجديدة ستكون الفردوس المفقود وجنة الله في الأرض.. وأكد برنامج وثائقي بثته قناة الجزيرة قبل اندلاع الحرب الأهلية، أكد أن الدولة الوليدة تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية، وأن فطامها من أمها جاء دون تجهيزها لأطعمة بديلة.. وهذا ما قاله القيادي الجنوبي والجنرال المتقاعد جوزيف لاقو للقناة وهو يتجول في أسواق جنوبية تشبه قرى الصفيح في الأحياء الطرفية بالمدن الكبرى، وسأل لاقو بائعة عن معروضاتها التي استوردتها من دولة مجاورة هي أوغندا، فردد حائرًا:"لا يوجد شيء من إنتاجنا، كله من أوغندا؟".. وفي ذات البرنامج شنّ رئيس تحرير صحيفة (سيتزن) الجنوبية هجومًا شاملًا على حكومة جوبا ووزرائها المفسدين، مسترجعًا طريقة اعتقاله بواسطة 16 مسلحًا بسبب كتاباته ضد الفساد.وبعد سكرة الاحتفاء بميلاد الدولة الجديدة ارتفعت الأصوات بأن الانفصال حدّ وقلل من مساحة الحرية وحقوق المواطنة للجنوبيين لتنحصر فقط في 250 ألف ميل مساحة الدولة الجديدة.. كما قلل من حجم المشاركة والاستيعاب السياسي حيث تستعر المنافسة حول الوظيفة السياسية والنزاع المتداخل مع البعد القبلي ليشكل بيئة مواتية للفوضى وعدم الاستقرار.. كذلك قلل الانفصال من فرص أبناء الجنوب في الخدمة المدنية بنسبة 22 – 30% في المركز والولايات الشمالية، مما ولّد ضغطا ناءت بحمله الدولة الوليدة.. وسلب الانفصال الجنوب أصالة حق التمتع بالموانئ والإطلالة على البحر الأحمر ذي الأهمية الإستراتيجية، فالدولة الوليدة اليوم دولة مغلقة وتلك نقطة ضعف كبيرة ودائمة.إن الأمر الذي جعل انفصال جنوب السودان واقعًا أليمًا في الشمال والجنوب؛ تلك العقلية التي أدارت بها الحركة الشعبية علاقاتها مع الشمال بتحريض أمريكي قبل وبعد الانفصال، إذ كان واضحًا منذ البداية أن الحركة تريد اختطاف السودان بمكوناته الثقافية في إطار ما تسميه بمشروع السودان الجديد، وعندما استحال الأمر انكفأت على نفسها واتخذت من الانفصال طريقا باتجاه واحد، ووجد طريق الانفصال دعما كبيرا غير محدود من الولايات المتحدة وإسرائيل.