11 سبتمبر 2025
تسجيلانتهت أسطورة الأمن القومي الأمريكي بتدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 بهجمات إرهابية صاعقة، على إثر ذلك تم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق لبحث وجمع أكبر قدر من المعلومات حول تخطيط وتمويل وتنفيذ تلك الهجمات، وانتهت اللجنة إلى تقرير من أكثر من 800 صفحة، ظهر الجدال بشأنه مؤخرًا مع مناقشة الكونجرس الأمريكي لمشروع قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي يهدف إلى توفير العدالة لضحايا الأعمال الإرهابية التي تُرتكب على الأراضي الأمريكية وتوفير الغطاء القانوني لأهاليهم لإقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية ضد الأشخاص أو البلدان المشتبه في تمويلهم لتلك العمليات الإرهابية. هذا القانون الذي هدد البيت الأبيض باستخدام حق النقض «الفيتو» ضده، يتيح لعائلات الضحايا مقاضاة دول أجنبية خصوصًا المملكة العربية السعودية التي حمل جنسيتها 15 شخصًا من 19 نفذوا الاعتداءات. المثير في ذلك الموضوع هو حجب الفصل الأخير من التقرير عن الجمهور من قِبل إدارة الرئيس السابق جورج بوش لأسباب تتعلَّق بالأمن القومي، ليستمر التقرير محاطا بجدار من السرية حتى الآن، ويتكون ذلك الفصل من 28 صفحة وأصبح يُعرف في الأوساط الإعلامية بتقرير الـ28 صفحة، ويتناول - بزعم الإدارة الأمريكية - دور المملكة العربية السعودية في تلك الهجمات؛ لذلك يطالب أقارب ضحايا هجمات 11سبتمبر بحقهم في الاطلاع على ذلك الجزء من التقرير، لإتاحة الفرصة لهم بحسب قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب لممارسة حقهم القانوني في رفع دعاوى على المملكة العربية السعودية لمطالبتها بتعويضات مالية عمَّن فقدوهم في أحداث التفجيرات استنادًا لما أثبته تقرير الـ28 صفحة. ماذا لو صادق البرلمان الياباني على قانون يسمح لليابانيين بمحاكمة أمريكا ومطالبتها بتعويضات عن خسائر هيروشيما وناجازاكي، وماذا لو فعلت كل الدول التي عانت من ويلات الاستعمار الشيء نفسه، ماذا لو تبنى البرلمان الجزائري قانونا يستطيع الجزائريون من خلاله المطالبة بتعويضات عن جرائم 130 سنة من الاستعمار ومليون ونصف مليون شهيد؟ ماذا عن العراق؟ وأفغانستان، فيتنام..إلخ. ما تقوم به أمريكا هذه الأيام فيما يخص قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب هو بكل بساطة وسيلة جديدة للضغط والابتزاز وهو قانون عار من كل منطق قانوني أو شرعي. وإذا كان القانون الذي وافق عليه مجلس النواب والكونجرس موجها للسعودية مباشرة فالمحاكم الأمريكية لم تنجح منذ الحادثة إلى يومنا هذا رغم جهودها المضنية والمكثفة في إدانة شخصيات اعتبارية سعودية؛ وربطها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. قضايا أهالي الضحايا فشلت لأسباب قانونية صرفة، ويفترض أن تشكل مجتمعة، سابقة تمنع المتضررين من رفع مزيد من القضايا ضد جهات لا علاقة لها بالإرهاب وأحداث تفجير برجي التجارة العالمية، فالسعودية اليوم تعاني معاناة كبيرة من الإرهاب والعمليات الإرهابية ورغم أن 15 شخصا ممن تفذوا أعمال 11 سبتمبر 2001 هم سعوديون فهذا لا يعني أن المملكة مسؤولة عن أعمالهم ومطالبة بالتعويض وهي الدولة التي تبرأت منهم. إن فتح باب مقاضاة الدول بعد رفع الحصانة عنها من قبل الأفراد سيفتح باب جهنم على الأمريكيين أنفسهم، وهو ما حذر منه المتحدث باسم البيت الأبيض، حين قال:«لدي قلق كبير أنه سيكون هناك تأثير سلبي على الأمن القومي الأمريكي وعلى أمن المواطنين الأمريكيين في جميع أنحاء العالم، والسبب أن دول العالم قد تستخدم هذا التشريع ذريعة لسن قوانين مماثلة تضع الولايات المتحدة والشركات، والمواطنين في خطر». المملكة العربية السعودية ليست بحاجة إلى إعادة تأكيد براءتها من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأي تهمة أخرى على علاقة بالإرهاب، طالما أن المحاكم الأمريكية أثبتت ذلك من قبل، إضافة إلى موقف المملكة المعلن من الإرهاب ومحاربتها له، وتضررها المباشر منه، غير أن التعامل مع المتغيرات التشريعية والقانونية يجب أن يتم وفق معايير دقيقة تضمن تحييد الخطر مهما تضاءلت نسبة حدوثه. مشروع «العدالة ضد رعاة الإرهاب» قد يكون حبل المشنقة الذي يلف على رقبة صاحبه، فقضايا الإرهاب المعلنة لا تخلو من الجانب الاستخباراتي الذي يُعتقد أن الأجهزة الغربية فاعلة فيه، إضافة إلى إرهاب الدول الذي يكيف اليوم على أنه تدخل لحماية الشعوب وإنقاذها وفرض الديمقراطية، وهو لا يعدو أن يكون تدخلا لتدمير الدول والشعوب وإسقاط حكوماتها ونهب ثرواتها. سيأتي اليوم الذي يحاكم فيه كل من تسبب في تدمير العراق وسوريا وليبيا ونشر جماعات الإرهاب فيها، والتخطيط لتدمير مصر والأردن والجزائر وتونس وفق قانونهم المسمى بـ« العدالة ضد رعاة الإرهاب»، سينقلب السحر على الساحر وتنجلي الحقيقة أمام العالم بأسره. وبقراءة الواقع السياسي الأمريكي نجد أن إثارة هذا الموضوع في هذا الوقت تحديدًا، واختلاق ذلك الجدل، جاء بشكل مُخطَّط ومتعمَّد لأسباب عدّة نلخصها فيما يلي: التغطية على الفشل الأمريكي في إدارة أزمات منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي خلال فترة رئاسة باراك أوباما، خصوصًا في ظل ما وصلت إليه العلاقات الأمريكية العربية من توتر يحدث لأول مرة في التاريخ خصوصًا مع السعودية، الضغط على الرياض بعدما عصَفَت سياسة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بالأهداف الأمريكية في اليمن والبحرين، ورفضها التفاوض مع إيران كقوة إقليمية في المنطقة. تحقيق مكاسب مالية ضخمة لشركات التأمين الأمريكية ومكاتب المحاماة العملاقة التي تولَّت مهمة الدفاع عن ضحايا الهجمات لتعويض ما دفعته من أموال طائلة للضغط على الكونجرس للموافقة على إصدار مشروع القانون المذكور. لقد اتخذت أمريكا من هجمات 11 سبتمبر ذريعة لإحداث التغيير اللازم لإحكام السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، فقد قامت في أبريل 2005 بإعداد خطة "الثورة الخلاَّقة" لتشكيل الشرق الأوسط الجديد كردَّة فعل مباشرة على ذلك الهجوم الإرهابي، بهدف استبدال الأنظمة العربية القائمة باعتبارها سببًا مباشرًا لأعمال العنف والإرهاب والتطرف الذي يهدّد الأمن القومي الأمريكي والعالم بأنظمة تعددية ديمقراطية. وكانت مملكة البحرين من الدول المستهدفة ضمن ذلك المخطط، لتكون منطلق إسقاط منظومة مجلس التعاون الخليجي، إلا أن ذلك لم يتحقَّق رغم الضغوط الكبيرة التي تعرَّضت لها مملكة البحرين من أطراف دولية وإقليمية معروفة وواجهتها المملكة بحكمة ومرونة ودبلوماسية، وفي تعليق عن القانون قال الأمين العام لجامعة الدول العربية: "إن القانون يتضمن أحكاما لا تتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أو مع القواعد المستقرة في القانون الدولي، ولا يستنِد إلى أي أساس في الأعراف الدولية أو القواعد المستقرة للعلاقات بين الدول ولا تقر، تحت أي ذريعة، فرض قانون داخلي لدولة على دول أخرى". أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما فعلق قائلا: "إذا فتحنا الباب لحرية مقاضاة الحكومات الأخرى فإننا سنفتح الباب أمام الأفراد في الدول الأخرى لمقاضاة الولايات المتحدة".