17 سبتمبر 2025

تسجيل

رسالة أوجالان

17 سبتمبر 2016

لا يكون السلام بين طرف واحد بل بين طرفين مختلفين ومتناقضين. وفي حالات كثيرة بين أطراف تواجهوا في الحرب وسالت دماء كثيرة بينهم. وإلا فعلى ماذا يتفقون ويعلنون السلام فيما بينهم؟ المسألة الكردية في تركيا مثال على ذلك. لم تنشأ المسألة اليوم ولا في الأمس القريب. بل هي نتاج طريقة تعامل الأكثرية التركية مع هذه المسألة والتي وصلت ذروة في الإنكار في عهد مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك. أي أن الجمهورية التركية تأسست في الأساس على قاعدة إنكار الحقوق الثقافية للأكراد وبات اسمهم في الثلاثينيات "أتراك الجبال". عقود مرت قبل أن تدخل هذه المشكلة مرحلة جديدة وخطيرة من الصراع الدموي عندما أعلن حزب العمال الكردستاني، الذي كان تأسس عام 1978 بقيادة عبد الله أوجالان، الحرب على الدولة التركية في 15 أغسطس 1984. وقد أفضت هذه المواجهات في الأرياف وفي المدن إلى خسائر كبيرة في البشر والحجر. وشهدت محطة مهمة في 16 فبراير عام 1999 عندما تمكنت الاستخبارات التركية والأمريكية من اعتقال أوجالان في كينيا بعدما أخرجته سوريا من أراضيها قبل ذلك بخمسة أشهر تقريبا نتيجة تهديدات عسكرية تركية. ولا يزال أوجالان قابعا في السجن في جزيرة إيمرالي ببحر مرمرة حتى الآن. اعتقال أوجالان لم يغير كثيرا مسار المشكلة الكردية. لكنه عرف بعض التبدلات في فكره حيث تخلى عن مطلب الدولة المستقلة للأكراد ودعا إلى نوع من الفيدرالية. وقف النار الذي أعلنه الأكراد بعد اعتقال أوجالان صمد لعدة سنوات ولكن الحرب كانت تعود من وقت لآخر. الجديد في المشكلة الكردية هو أن الحكومة التركية باشرت في عام 2009 محادثات سرية مع ممثلي "الكردستاني" في أوسلو بالنرويج ومن ثم في ربيع العام 2013 بدأ ما سمي بـ"عملية الحل" مع إعلان وقف النار الذي استمر حتى بداية صيف 2015. وقد شكلت هذه العملية فرصة للجميع لسبر إمكانية الحوار الذي بلغ ذروته في ما سمي بـ"اتفاق دولما باهتشه" في 28 فبراير 2015 والذي وقعته الحكومة ممثلة بوزير الداخلية وبنائب رئيس الحكومة مع نواب من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في قصر دولما باهتشه في إسطنبول. ويلحظ هذا الاتفاق تسوية للقضية الكردية. لكن التطورات اللاحقة أطاحت بالاتفاق خصوصا عندما أعلن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أن هذا الاتفاق غير موجود، ردا على استئناف المواجهات المسلحة بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني. في هذه الأثناء كانت المسألة الكردية تشهد صعودا لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المؤيد لأوجالان والذي سيطر على معظم الشريط الحدودي السوري مع تركيا. وكان هذا عاملا في تبديد خطوات الحل في تركيا، حيث راهن أكراد تركيا على أن تجربة الأكراد السوريين يمكن أن تمتد إلى تركيا وفي الوقت نفسه رأت أنقرة في صعود التيار الأوجالاني في سوريا وفي إمكانية إنشاء كيان كردي في سوريا خطرا وتهديدا للأمن القومي التركي. وعلى هذا تعقدت الأمور ووصلت في 24 أغسطس الماضي إلى تدخل تركيا العسكري في سوريا وإنذار الأكراد بالانسحاب إلى شرق الفرات. ورد حزب العمال الكردستاني بتصعيد العمليات العسكرية في الداخل التركي. في هذا الوقت سمحت السلطات التركية لمحمد، شقيق أوجالان، بمقابلة أخيه عبد الله في سجنه للمرة الأولى من حوالي سنتين. وقد حمل محمد رسالة إلى الأكراد والدولة التركية تقول بوجوب إنهاء الحرب العبثية التي لن ينتصر فيها أحد على أحد. ودعا إلى استئناف الحوار مع الدولة وأن لديه مشروعا لحل المشكلة يمكن في حال كانت الدولة جاهزة ومستعدة أن يحقق السلام خلال ستة أشهر. بطبيعة الحال المشكلة قائمة منذ عقود. وفي ظل التعقيدات الإقليمية التي تشكل المشكلة الكردية أحد أبعادها لا يمكن تحويل هذا الكلام إلى حقيقة في فترة قصيرة. لكن بعد مرور عقود على وجود المشكلة و32 عاما على الحرب الدامية، فإن الحوار والحل السلمي هو أقصر طريق لإنهاء معاناة الأكراد في تركيا ولإنهاء أكبر تهديد للأمن والاستقرار ولوحدة الأراضي التركية. والقيادة العاقلة لدى الطرفين هي التي تدرك ذلك اليوم قبل الغد.