11 سبتمبر 2025
تسجيلالدور الذي تلعبه منظمة العمل العربية، في إطار تحسين فرص العمل والتشغيل وحماية حقوق العمال وأصحاب الأعمال وتطلعات القطاع الخاص في الدول العربية دور حيوي وضروري خاصة في ظل عدم تجانس قوانين العمل في معظم الدول العربية ومدى اتساقها قوانين العمل العربية والدولية وتمسك البعض بنظام الكفيل الذي استطاعت دولة قطر ومملكة البحرين في التخلص من عيوبه، التي تعد من أهم السلبيات التي توجه إلى قوانين العمل العربية، ويبدو ذلك جليا في الانتقادات التي توجه للعرب في المحافل العالمية المعنية بحقوق العمال وحقوق الإنسان في العالم، خاصة في مؤتمر العمل الدولي الذي يعقد سنويا بالعاصمة السويسرية جنيف، والذي يناقش العديد من المحاور التي تهم عمال العالم العاملون في القطاع الخاص، لبحث الانتقال من الاقتصاد غير المنظم إلى الاقتصاد المنظم، في ظل وجود 232 مليون عامل مهاجر حول العالم، وتحرص بعض الدول للهروع إليه سنويا لتبرير سياساتها العمالية والاستفادة من هذه الفرصة للسياحة والاستجمام من دون وجود إرادة قوية للتفاعل عمليا مع ما يجب أن يطرح في هذا المؤتمر من قضايا ومحاور هامة تسهم في استقرار سوق العمل وتطوير القطاع الخاص، رغم أن منظمة العمل الدولية تكرر منذ بداية إنشائها في 1919 مناقشة كيفية حماية مصالح العمال الذين يعملون خارج بلدانهم، لأن بعض المشاركين ممن يناقشون حقوق العمال ليست لهم قناعة حقيقة بذلك أو أنهم دون المستوى الذي يؤهلهم لهذا الدور بموضوعية وبحيادية تامة، لأن حقوق العمال مرتبطة بحقوق الإنسان التي يتجاهلها هؤلاء الذين يفكرون بعقلية العصور الوسطى التي تحكمها الرأسمالية المتوحشة التي كانت تعتبر طبقة العمال من العبيد، وأن المطالبة بحقهم في الحياة الكريمة ضربا من الممنوعات أو الرفاهية التي لا يستحقونها، وليس لدي أدنى شك في أن هذه الرؤية أو هذه القناعات سوف تلازم معظم المسؤولين عن العمل والعمال العرب لفترات طويلة قادمة حتى يتفهموا طبيعة احتياجات سوق العمل والقطاع الخاص العربي، ويحاولون الاستفادة من تجارب الدول الأخرى خاصة أن دول الغرب التي برغم توحش المفاهيم الرأسمالية في فكرها، أصبحت من أول دول العالم التي تلتزم بحقوق العمال ومواثيق العمل والعهود الدولية لحقوق الإنسان وشرعت في سبيل ذلك العديد من القوانين والتشريعات ووافقت على كل اتفاقيات العمل الدولية التي تكرس حقوق العمال - التي تفتقدها أغلب الدول العربية إن لم تكن جميعها- ولذلك نجد أن إنتاجية العامل في الدول الغربية تتضاعف بعكس إنتاجية العامل العربي المتدنية، وهذا يفسر مدى الهوة الاقتصادية والفجوة الصناعية التي تفصل بيننا وبينهم، حيث جعلت الدول الأوروبية من اتفاقيات منظمة العمل الدولية جزءا من قوانينها المحلية وثقافتها التشريعية، وفي المقابل لا يزال الملايين من العمال في القطاع الخاص العربي يعانون من التمسك بنظام الكفيل الذي يحرمهم من أدني حقوقهم الأساسية في العمل وهي حق الانتقال لعمل آخر، إلا بموافقة الكفيل الذي يفرض شروطه التي تتسم معظمها بالاستغلال والابتزاز حتى يتم التنازل عن العامل إلى كفيل آخر وهكذا، وكأن الكفيل قد امتلك هذا العامل أو تلك العاملة بمجرد الارتباط معه بعقد عمل، وما قد يترتب على ذلك من سلبيات قد يسميها البعض متاجرة بالبشر، يعلمها الجميع والتي قد تتجاوز ما هو مشروع قانونيا أو أخلاقيا، ومن هنا هل يمكن لمؤتمر العمل العربي أن يوفر آلية عربية تضعها وتقرها منظمة العمل الدولية ثم الأمم المتحدة لالتزام أعضائها بمعايير العمل الدولية التي يصادق عليها عدد من الأعضاء، لتحقيق مستوى جيد للرعاية العمالية على مستوى العالم العربي خاصة أن معظم الدول لم تصادق إلا على بعض اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وربما يستمر الوضع إلى سنوات طويلة، وكذلك لتوفير بيئة العمل المناسبة التي تحافظ على الأيد العاملة العربية الماهرة والمدربة التي يمكن أن تسهم في نهضة القطاع الخاص، وكذلك لوضع حد للإهانات التي يتعرض لها العمال العرب المهاجرون إلى أوروبا في ظل عدم وجود اتفاقيات ومعاهدات تحفظ كرامتهم وتسهل إجراءات انتقال من يسعى منهم للهجرة إلى أوروبا، إلى جانب وضع الاستراتيجيات والسياسات التي تتعلق بتجمع عربي جديد من أجل الاهتمام بمجالات التشغيل والتدريب وتطوير بيئة العمل، لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل، وتوفير فرص العمل للشباب العربي وتيسير تنقل الأيدي العاملة العربية، بعد أن ارتفعت النسبة العامة للبطالة من 17% إلى 20 مليونا، وتمثل معدلات بطالة الشباب نحو 28% من هذه النسبة، والعمل على الربط بين التنمية والتشغيل، وتعزيز وتحقيق المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، التي يمكن أن تحقق العدالة الاجتماعية بين فئات العمال في مختلف الأقطار العربية باعتبار أنها مدخل مهم وضروري للاستفادة من القدرات القصوى من مهارات الأيد العاملة العربية، التي تحقق طموحات القطاع الخاص، في ظل متغيرات دولية وإقليمية تفرض علينا مجموعة من التحديات التي ينبغي علينا مواجهتها.