15 سبتمبر 2025
تسجيلالطوفان الرقمي هو عنوان كتاب صدرت نسخته الإلكترونية عن مؤسسة "هنداوي للتعليم والثقافة"، ويناقش عددا من القضايا المعلوماتية المهمة، أبرزها قضية الخصوصية وكيف أثر الانفجار المعلوماتي عليها في كثير من الأحيان بالسلب، ونظرا لأهمية الموضوع نعرض لمقتطفات مما جاء في هذا الكتاب فيما يلي.من أبرز مساوئ الانفجار الرقمي أن أصبح التجسس على الآخرين عملا يسيراً يمكن للحكومات أن تقوم به إزاء الأفراد دون علمهم. فكاميرات المراقبة الرقمية تنتشر الآن في معظم شوارع ومدن العالم، حتى أنه في مدينة لندن وحدها يوجد أكثر من نصف مليون كاميرا مثبتة على جوانب المباني، بمعدل كاميرا واحدة لكل اثني عشر مواطنا، تلتقط للمواطن الواحد مئات الصور يوميا. ومع انتشار هذه الكاميرات الرقمية، يتضاءل مجال الخصوصية إلى درجة لم يكن يتصورها حتى جورج أوريل في روايته الشهيرة 1984.أما شركات الهواتف المحمولة فلا تعلم فقط الأرقام التي نقوم بالاتصال بها، بل تعلم أين كنا وقت أن أجرينا المكالمة، الأمر نفسه بالنسبة لشركات الائتمان التي تعلم مقدار ما أنفقنا من أموال، وتعلم كذلك ما اشتريناه بهذا المال. أما المصارف التي نتعامل معها فلديها سجلات إلكترونية بمعاملاتنا المالية، ليس فقط بغرض ضبط عمليات السحب والإيداع، بل لإخطار الحكومات إذا حدث وقام صاحب الرصيد بسحب مبلغ كبير من المال من حسابه. وبفضل نظام تحديد المواقع أصبح العثور على أي شخص أمرا سهلا، خصوصا أن هذه الخاصية أصبحت موجودة الآن في الهواتف المحمولة. وعليه فإنه في أي مكان توجد فيه تغطية للهاتف المحمول، يمكن استخدام إشارات برج الهاتف لتحديد موقع أيا منا. أما الصناديق السوداء فلم تعد قاصرة على الطائرات، فالعديد من شركات تصنيع السيارات أصبحت تضيف مثل هذه الصناديق كوسيلة لجمع المعلومات عمن يقود سياراتها (سرعة السيارة ووقت استخدام المكابح، والالتزام بإشارات الالتفات، وحزام الأمان) ومن ثم تحديد على من تقع المسؤولية حال وقوع حوادث أو تلفيات في السيارة.من ناحية عكسية فإن ما يقوم الأفراد بجمعه من معلومات أو التقاطه من صور يمكن تتبع مصدره بسهولة كبيرة. فالكاميرات الرقمية مثلا تسجل بيانات وصفية بداخل كل صورة تلتقطها، تشمل إعدادات الكاميرا، وتاريخ التقاط الصورة، ووقته، وماركة الكاميرا ورقمها التسلسلي، وفي حال قام صاحب الكاميرا بشرائها عبر كارت ائتماني فيمكن التعرف على هويته بسهولة. الأمر نفسه بالنسبة للأوراق المطبوعة، فمعظم طابعات الليزر تزود حاليا بتقنية تترك ما يشبه البصمة (التي يصعب رؤيتها) على كل ورقة تطبعها، تشير إلى تاريخ طباعة الورقة، والرقم التسلسلي للطابعة.والخلاصة التي انتهى إليها الكتاب أنه أينما ذهبنا فإن هناك بصمات إلكترونية تدل علينا. فالانفجار المعلوماتي قد بعثر تفاصيل حياتنا في كل مكان. ومن يحاول أن يتجنب ترك أثار رقمية وراءه يشبه من يحاول تجنب ملامسة الأرض عندما يسير عليها. ورغم ما يمثله هذا العالم الرقمي من تحدي، فإن المفارقة التي يبرزها الكتاب أننا وقعنا بالفعل في غرام هذا العالم الذي لا يحترم الأسرار. ذلك أننا نضحي بخصوصيتنا في مقابل ما يتيحه من كفاءة وراحة وسرعة. ليس فقط بفعل إغواء التكنولوجيا التي اكتسبت عوامل جذب كبيرة، ولكن لأن ميول الناس وقناعاتهم تغيرت أيضا بدرجة كبيرة، فالأفراد الآن يمارسون نوعا من الإقبال الجماعي على التكنولوجيا، وفقا لمنطق أنه إذا كان الجميع يفعلون ذلك فلماذا أمتنع أنا، ويصدق هذا أكثر ما يصدق على شبكات التواصل الاجتماعي. كما ينفتح الكثيرون على التكنولوجيا رغبة في توفير المال أو الوقت، كما في عمليات الشراء الإلكتروني، واستخدام بطاقات الائتمان، البعض الآخر لا يستشعر أي خطر من وراء المشاركة في معلوماته الشخصية، فالكثير من الناس ينشرون ويذيعون معلوماتهم دون أن يفرض أحد عليهم ذلك، كما أن معظم الشباب ممن لهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لا يضعون أي قيود على اطلاع الغير على محتويات حساباتهم الخاصة. فقد تسبب النمو الهائل في التكنولوجيا في تغيير جذري لتقييمنا لما نعده من الخصوصيات ولنظرتنا بشأن ما ينبغي أن يكون من الأسرار. المشكلة الحقيقية تبدأ عندما تبدأ الحكومات في محاولة الاستفادة من التقنية للتغلغل في خصوصيات الأفراد ومراقبتهم، فرغم أن إخفاء الهوية هو ديدن النظام الديمقراطي إلا أن التكنولوجيا توفر باستمرار وسائل للالتفاف على هذا المبدأ، ما يتيح للحكومات أن تتظاهر بالديمقراطية فيما هي تنتهك أشد خصوصيات مواطنيها.ما يساعد الحكومات حاليا على تحقيق غرضها هذا، أن قضايا الإرهاب قد جعلت الرأي العام العالمي أكثر تعاطفا مع الإجراءات التي تضر بالخصوصية وذلك في إطار مقولات حماية الأمن والاستقرار. إذ تستغل الحكومات حالة الخوف المرضي لدى الناس العاديين من الإرهاب والعنف لتعميم إجراءات تستهدف المزيد من خصوصية الناس. حتى أصبح مفهوم الحكومة الإلكترونية سلاحاً ذا حدين، فمن جهة أصبح هذا المفهوم وسيلة لتيسير إجراءات التعامل اليومي مع جهاز الدولة، ولكنه من جهة أخرى يشير إلى قدرة الدولة المتزايدة على مراقبة الفرد وتجريده من خصوصيته ومعرفة كل ما تريد معرفته عنه من نشاطات أو اهتمامات أو أفعال يقوم بها في حياته الخاصة. للمزيد يراجع كتاب الطوفان الرقمي، هال إبلسون، هاري لويس، كين ليدين، ترجمة أشرف عامر.