27 سبتمبر 2025

تسجيل

الفيلم المسيء.. وحرية التعبير بين العقلاء والسفهاء

17 سبتمبر 2012

لعل العقلاء في كل زمان و مكان هم الذين يتمتعون بالحرية المسؤولة أمام الإنسانية والدين والتاريخ ولذلك فإنهم يبغضون أعمال السفهاء الذين يجب أن يحجر عليهم في كل زمان ومكان لما يحدثونه من الأذى والضرر والإفساد في الأرض ونهش أعراض إخوانهم في الإنسانية بغير وجه حق، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، و إذا كان هذا مما يجب ألا يقع في الناس العاديين فكيف بالأنبياء وعلى رأسهم الرسول محمد عليهم السلام جميعا، أو بالمقدسات الدينية التي تعتبر من الثوابت الممنوع التهكم بها والإساءة إليها في الشرائع والأديان، نعم يمكن مناقشة مضامينها على وجه الفكر والدراسة والتعرف سواء كان ذلك بالرضا أو عدمه، أو بالتقويم الذي قد يحدد صاحبه ما يرتاح إليه ويقتنع به مما لا يميل إليه و لكن بشرط النزاهة الأدبية والشفافية الإنسانية والمروءة والاحترام المتبادل، ولذا فإن الفيلم المسيء لرسول الإسلام والإسلام نفسه الذي نشرت منه مقاطع على اليوتيوب وفيها التنقص الفاحش والتصوير المشين لحياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الحادي عشر من سبتمبر الحالي و ذكر بعض المطلعين في أمريكا وليبيا أنه قد أعد هذا الفيلم منذ نصف عام ليبث في هذا الوقت وبذكرى أحداث 11 سبتمبر التي عصفت بالولايات المتحدة فغيرت مجرى علاقاتها مع العالم أجمع بعد ذلك على جميع الصعد والمستويات، إن مثل هذا العمل المنحط أخلاقيا  والمخالف للشرائع والقوانين والأدبيات العالمية ما هو - كما يبدو- إلا ضمن مسلسل الهجوم على الإسلام ورسوله الذي تصاعد الجهد عليه في العقدين الماضيين تحديدا  ولذا فإنه لا يعلق عليه بمعزل عن أهم ما جرى في هذا المضمار الخبيث ولأجندة باتت مفضوحة على الملأ، إذ لا يمكن أن ننسى الإساءة التي قامت بها صحيفة اليمين الدنماركية يولاندبوست وبعض الصحف النرويجية والأوروبية الأخرى في الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسول الإسلام، وما أحدثته من ضجة ضخمة في العالمين العربي والإسلامي خصوصا والدولي عموما بين إنكار مبرر لضرورة صيانة الرموز الدينية من التناول السفيه وبين سكوت أو تأييد لهذه الأفعال باسم حرية التعبير والتفكير التي باتت مكفولة في القوانين الغربية لكل إنسان على ما يدعي القائمون بهذه الأفعال وعلى ما تصرح به الحكومات أيضا دفاعا عن حرية التعبير وهو ما فعلته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إذ رغم اعترافها أن الفيلم الحالي المسيء قبيح المضمون ويدعو إلى التقزز والاشمئزاز وأنها تستنكر فعله بشدة إلا أنها صرحت بوضوح أن الحكومة الأمريكية التي لا دخل لها به أبدا لا تستطيع أن تفعل شيئا مع منتجيه وممثليه بسبب ما يكفله لهم الدستور الأمريكي من حرية التعبير مع أنها تعرف أن نصوص القانون وميثاق حقوق الإنسان قيدا الأمر بعدم الإضرار بالآخرين! ولكننا نقول: إن الغرب بين الفينة والأخرى يطلع علينا بهذه الشناعات لمآرب وسياسات يريد أن ينشرها تحقق له مصالح أو تدفع عنه مفاسد كما يظن، إنه جزء كبير من النفاق المنتشر في أوربا وأمريكا وحيث لا ننسى أن العديد من الصحف الأوربية وقفت تدافع عن الصحيفة الدنماركية في الرسوم المسيئة عن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى إن الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود روبيرمنيار صرح وهو يدافع عن الرسوم أن الأنظمة لا تفهم أنه يمكن الفصل التام بين ما تكتبه الصحيفة وبين الحكومة الدنماركية وأن لنا القيام بأي شيء ولو كان جارحاً للناس، فإنه في عام 2006 تم منع الفيلم التركي (العراق وادي الذئاب) في أمريكا لأنه يصور جرائمها في العراق وفي العام نفسه منعت مدينة نيويورك عرض مسرحية (ريتشل كوري) وهي ناشطة أمريكية سحقتها جرافة إسرائيلية عام 2003 عندما كانت تتصدى لها قبل أن تجرف منازل الفلسطينيين في غزة! أي حرية للتعبير يدعون وهم أمهر الممثلين في ازدواجية النظر والكيل بمكيالين خصوصا ضد العرب والمسلمين والأخص بسيل من المنتجات المروجة لثقافة الكراهية المعادية التي تستغل هجمات 11 سبتمبر، ليعرف العالم أن الخلاف بين الشرق والغرب هو سياسي لا ديني وإنه يعمل على صراع المصالح وهو في جوهره انحياز الغرب وعلى رأسه أمريكا لإسرائيل وإذا ثبت أن منتج فيلم (براءة المسلمين) هو الصهيوني اليهودي سام باسيلي الذي يقطن في أمريكا والذي قال: إن الإسلام مثل السرطان بحسب تعبيره وأن الفيلم سياسي وليس دينيا وأنه غير نادم على ما فعل كون العمل يندرج تحت حرية التعبير فإن هذا يؤيد ما نؤكده من أهداف لصالح إسرائيل واليهود الحاقدين على الإسلام ورسوله والمسلمين، وإذا أردنا أن نوضح أكثر فإن ذلك يقودنا إلى خفايا السر الرهيب الذي تلح الصهيونية العالمية أن تجعل اليهود في تذكر دائم له وقد خصصت يوم حداد في 27 إبريل من كل عام لأجله وهو اتخاذهم قضية الهولوكوست اليهودي المعبر عنه بالمحرقة التي أقامها النازيون لليهود وراح ضحيتها منهم ستة أو سبعة ملايين حيث إن الضرب على هذا الوتر إنما هو استغلال لتبرير السياسات الإجرامية الإسرائيلية وتبرير دعم هذه السياسات من قبل أمريكا نصرة لضحايا الهولوكوست المحرومين والمعروف أن النخب اليهودية الأمريكية لم تتذكر الهولوكوست قبل يونيو 1967 واستفادت منه لتدفع عن كيانها بل أصبح شعارا لها بعد حرب 1967 مع العرب ولنا أن نتساءل أولا هل اليهود وحدهم الذين كانوا ضحايا الهولوكوست رغم أن نصف مليون غجري قضوا نحبهم أيضا في المحارق النازية، فلماذا تعزف أوربا وأمريكا عن ذكرها وذكر عشرات الهولوكستات في فلسطين و العالم ولماذا قد سن في عدد كبير من أوربا قانون السجن لكل كاتب أو مفكر يشكك في المحرقة وبالمقابل يتم تجاهل الإساءة إلى نبي الإسلام الذي يتبعه أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم؟ والذي يدل على ذلك أنه عندما جاء المفكر الفرنسي روجيه جارودي وشكك في رقم الملايين الستة الذين قتلوا في المحرقة أحيل إلى المحاكمة ولم يجد من يدافع عنه باسم حرية الرأي إلا الأديب بيير الذي كان أكثر شعبية في فرنسا. أحلال على بلابله الدوح    حرام للطير من كل جنس وثانيا: ألا يمكن وقد اعتبروا الكلام عن المحرقة خطاً أحمر وكذلك عرض الفيلم التركي عن العراق والفيلم عن الناشطة الأمريكية خطا  أحمر أن يعتبروا التعامل مع الملف السوري الذي طال أمد حله خطا أحمر لأنه يصب في النهاية في مصلحة إسرائيل التي هي اللاعب الأكبر في المشهد السوري مع أنها تخفي نفسها والتي أصبحت أمريكا ألعوبة وأضحوكة بيدها، وما جرى من نشر للفيلم بل والدفاع عن منتجيه أي عدم محاسبتهم ولا مجرد حجب الفيلم إنما هو صرف للأنظار عما يجري في سورية من مآس تشيب لهولها الولدان سيما أن أمريكا والغرب في مأزق حقيقي حيال العجز المخزي للتعامل الحقيقي مع الأزمة السورية وإنقاذ ملايين المدنيين من هذا الهولوكوست الفظيع، هل ثمة فرق بينه وبين هولوكوست اليهود إن لم يكن هذا أشنع منه، إنه لا يستبعد ذلك في دهاليز المؤامرات والدعم و التقاعس عن توجيه الضربة القاسية من المجتمع الدولي الذي يعتبر الشعب السوري جزءا منه طبق المواثيق الدولية، وكل ذلك بحجة الانتخابات الأمريكية وحجة عدم توحيد المعارضة، كيف يجوز للجزار بشار الأسد وأزلامه أن ينكلوا كل هذا التنكيل يوميا ولا يوجد من يردعهم إن لم تكن مؤامرة حقيقية لإرضاء إسرائيل. أما ما ذكر عن أن بعض الأقباط في المهجر هم الذين أنتجوا هذا الفيلم فليس بمستبعد فمن قبل أنتج القس مرقص عزيز ومعه بعض القساوسة فيلم كلاب الرسول، وأنا شخصيا رأيت بعيني في مدينة (ملبورن) بأستراليا منذ عشرين سنة فيلما قبطيا يهزأ بالإسلام ويركز على ظلم المصريين المسلمين للأقباط في مصر وقد قيل لنا وقتها إن هذه الأفلام تنشر للإساءة في الخارج ولم تكن الفضائيات وتقنياتها بالمستوى المعروف اليوم، ونحن لا ندري لماذا كل هذا العداء مع أن الأنبياء تزوجوا من القبط كإبراهيم بهاجر أم إسماعيل ويوسف بتزوجه بنت صاحب عين شمس التي ذكرها الله بقوله: (وغلقت الأبواب..) يوسف 23، وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يسيئون له تزوج بمارية القبطية وقال: استوصوا بأهل مصر خيرا فإن لهم ذمة ورحما. وعلى كل فإننا نؤكد على وجوب الرد الحضاري على هذا الفيلم دون عنف بلا مبرر وأن تكون هذه فرصة لشرح سيرة سيدنا محمد للعالمين مطالبين بمحاكمة منتجيه حسب المواثيق الدولية وحقوق الإنسان التي ذكرت في مادتها أن الحرية تعني أي عمل لا يجرح الآخرين ولا يظلمهم وكذلك ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد صرح بأن الحرية واجبات ومسؤوليات وتخضع لشروط وعقوبات حسبما تقتضيه المصلحة والأمن وحماية الآداب وهو ما أقرته الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان عام 1969، فكيف تفهم كلينتون ومن لف لفها حرية التعبير؟ وأخيرا فإننا نقول إن الشريعة الإسلامية تحرم قتل السفراء والرسل المسالمين أما الفاعلون المستهزئون فلا بد من حسابهم إذا أرادت أمريكا أن يهدأ الغضب العارم في المسلمين وأن تكون صادقة في تطبيق قوانينها على الجميع.