18 سبتمبر 2025
تسجيلالإعلام أداة من أدوات السّياسة، ينقل سياسات صناع القرار إلى الشعوب، ويبلور اتجاهات ومواقف الشعوب حتى يستفيد منها صنّاع القرارات؛ ووسائل الإعلام أداة قوية يعتد بها بالنسبة للنظم السّياسية.. وتؤثر أيضا في عملية صناعة القرارات المتعلقة بالعلاقات الدولية وتتدخل الحكومات في الإعلام لعدة أسباب: منها الأسباب السّياسية المتعلقة بالانتماء والشعور بالوطنية وترسيخ القيم والمعتقدات السّياسية. عُلماء السّياسة والاتصال السّياسي والاجتماع السّياسي اهتموا بدراسة التفاعل بين الاتصال والنظام السّياسي والعملية السّياسية بصفة عامة، وأكدوا على العلاقة الجوهرية بينهما، بل إنهم نادوا بإعادة دراسة وتحليل العلوم السّياسية بالاعتماد على نظريات الاتصال. وتتصف العلاقة بين الإعلام والفعاليات السّياسية والديمقراطية بالتكامل والتفاعل المستمر والتأثير المتبادل، مما يجعلها تشكّل فيما ما بينها مثلثاً متساوي الأضلاع والأهمية. فالإعلام جزءٌ لا يتجزأ من العملية الديمقراطية، وضمانة أساسية لقيام وحيوية النهج الديمقراطي واستمراره في المجتمع. والنظم السّياسية أو الحزبية تعتبر الوسيلة الأهم لتنظيم الجماهير وحشدها لاتخاذ مواقف محددة تجاه قضايا مجتمعية مشتركة. مما يجعل عملية تكوين الأحزاب ونشاطها السّياسي ومشاركتها في العملية الانتخابية من صلب العملية الديمقراطية ومن أهم مظاهرها على أرض الواقع. وفي ظل التقدم الهائل في ثورة الاتصال قام الإعلام بالاستيلاء على الدور التقليدي للحزب في المجتمع بعد أن كانت وسائل الإعلام أداة طيعة في أيادي السلطات السّياسية. وحتى من الناحية التاريخية فإن استخدام الإعلام في السّياسة أمرٌ ليس بالغريب فهذا ابن خلدون يقول في كتابه "مقدمة ابن خلدون": "أعلم إن السيف والقلم كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بهما على أمره.. والقلم منفذ للحكم السلطاني" ويمضي يقول إنه في مرحلة من مراحل الدولة: "يكون أرباب الأقلام أوسع جاهاً من أرباب السيوف وأعلى رُتبةً وأعظم نعمةً وثروةً وأقرب من السلطان مجلساً وأكثر إليه تردداً وفي خلواته نجيّاً. وفي تاريخ السودان استفاد قادة عظام من ضغط الإعلام في مواجهة المستعمر البريطاني، وإجباره على اتخاذ قرارات سياسية لصالحهم. فعندما رفع سجناء سجن رشيد بمصر من قادة المهدية - من بينهم عثمان دقنة - تظلماً إلى مصلحة المخابرات وسلاطين باشا مفتش عام السودان في العام 1908م يشكون فيه من سوء أوضاعهم في السجن، سرعان ما أبدت الصحافة المصرية اهتمامها بالقضية وظهرت المقالات في صحف "الأهرام" و"المنبر" واللواء" خاصة "السياسة" الناطقة باسم حزب الأحرار التي نشرت مقالاً نارياً بعنوان "الرحمة فوق العدل.. عثمان دقنة: السجين الخالد" حيث عبّر صاحب المقال عن قناعته بأن أولئك السُجناء ليسوا مجرمين وإنما هم عظماء بلادهم وإن ما قاموا به لا يتجاوز حدود الحق المقدس للدفاع عن أراضيهم ضد الغزو الأجنبي. وفيما بعد غيّرت السُلطات البريطانية معاملتها لأولئك اٍلسُجناء ونقلتهم إلى سجن في مدينة حلفا داخل السودان وسمحت للقائد عثمان دقنة بأداء فريضة الحج. وتقوم عمليات التحول السّياسي والاستمالة، وذرع المعتقدات الجديدة، على استخدام أساليب قتل العقل Menticisol كما يقول عالم النفس الهولندي ميرلو، لأنها تحيل الإنسان إلى كائن لا حول له ولا قوة، وتخضعه إخضاعاً للتعاليم الجديدة، إذ تتضافر فنون الضغط الثقافي والعاطفي مرتبطة بالضغط البدني للسيطرة على الإنسان الضحية، وتحويله إلى فرد له عقلية جديدة عن طريق حمله على الاعتراف بأخطائه وإزالة هذه الأخطاء توطئة لتثقيفه من جديد. وعندما تركّز وسائل الإعلام على حدث معين فإنها تدفع الجمهور للنظر إلى هذا الحدث باعتباره حدثًا مهماً. وبذلك فإن وسائل الإعلام تُخبر الجمهور بالشؤون السّياسية وتؤثر في إدراكه للأهمية النسبية التي تمُنح لهذه القضايا. وعموما يمكن أن يُستخدم الاتصال في التثقيف السّياسي، ويسهّل كذلك الاتصال بين الحاكم والمحكوم، ويوطّد العلاقات بين القائد وشعبه. وبالضرورة يُساهم في تشكيل الرأي العام. وتحتاج المؤسسات السّياسية إلى الخطاب الإعلامي لإنجاز خمس وظائف أساسية: التوحيد، وإضفاء الشرعية، التوجيه، حل الصراعات، وتنفيذ السياسات. فالخطاب الإعلامي إذا كان متسقاً مع المبادئ والأهداف يمكن أن يُساعد على توحيد الرؤى وبلورة الرأي العام حول قضية ما. ولذلك نجد إن القنوات الفضائية العربية ووسائل الإعلام العربية تواجه تحدياً في عقر دارها من نظيراتها غير العربية، واليوم تتحول معركة الإعلام لكسب أفئدة وعقول العالم الغربي إلى تهافت مزدحم لوكالات الأخبار الغربية التي تستعد لنقل الأخبار باللغة العربية، فقد عبّر جيري تيمينز رئيس عمليات BBC العالمية في إفريقيا عن هذا التهافت بقوله: "لم أعد أستطيع إحصاءها. هناك إعلان عن قناة جديدة كل أسبوع حتى باتت الموضة في هذه الصناعة". وأدخلت هيئة الإذاعة البريطانية BBC نفسها في هذه (المعمعة) بميزانية 35 مليون دولار من الحكومة البريطانية لقناة تلفزيونية عربية بدأت ببث 12 ساعة من البرامج ثم تحولت بعدها إلى 24 ساعة يوميا. إن هذا التهافت المباشر لوكالات الأخبار الوطنية يعكس مدخلا عملياً في معالجة قضايا الشرق الأوسط حيث يمكن التأثير على الصراعات من خلال سرد الروايات وسيلٍ لا يتوقف من المعلومات وليس فقط باستعمال الصواريخ وإرسال الدبلوماسيين الماهرين.