18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قبل سنوات قليلة، ظهرت على السطح ظاهرة الشيخ أحمد الأسير. الأسير كان إماماً لأحد مساجد مدينة صيدا، وهو رفع لواء معارضة حزب الله، فاعتصم ومؤيدوه في الشارع مشترطين بحث سلاح حزب الله بشكل جدي بين الفرقاء اللبنانيين. فحسب الشيخ الأسير، ليس من المنطق أن يحتكر فريق حمل السلاح وتشريعه وقوننته دون بقية اللبنانيين، وهو كان يردد دائماً أن تحركه سلمي، وأنه يكنّ التقدير للعناصر الأمنية التي تسعى لقمع تحركه، وأن مشكلته هي مع حزب الله حصراً وليس مع الدولة اللبنانية أو مؤسساتها العسكرية والأمنية. رغم كل ذلك، استنفر الجيش اللبناني، واستعرت وسائل الإعلام في الهجوم عليه والسخرية منه، وصار اعتصام الأسير مشكلة المشاكل وسبب البلايا في البلد، وبُذلت كل الوسائل للضغط عليه والتضييق عليه لإجهاضه. اليوم، تقدم رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون خطوات كثيرة عما قام به الأسير. فعون لم يكتف بإنزال مناصريه إلى الشارع، وتجييشهم ورفع شعارات طائفية مقيتة ذكّرت اللبنانيين بخلافات الحرب الأهلية، بل إنه صوّب سهامه نحو المؤسسة العسكرية وقائدها، ووجه الاتهامات والانتقادات والتهديدات لقيادتها، والسخرية من البيانات التي تصدر عنها، واتهم الجيش اللبناني بأنه صار "عسكر سلام" إشارة إلى رئيس الحكومة تمام سلام، ووصفه بـ"عسكر السرايا" نسبة للسرايا الحكومي مقر رئيس الوزراء. كل ذلك فقط لأن الجيش أراد المساواة بين اللبنانيين، بمنع الإخلال بالأمن والإضرار بمصالح المواطنين، والإساءة للمقرات الرسمية، ولطالما كانت هذه السياسة تلقى من عون كل ترحيب وتصفيق، لكن لم يكن في حسبانه أنها ستطبق يوماً عليه. اللافت أن الأبواق التي كانت تصاب بالهستيريا حين يتم الغمز من قناة أداء المؤسسة العسكرية وخطورة التحرك في الشارع، وما يمكن أن يؤدي إليه من تهديد للسلم الأهلي واحتقان طائفي أصابتها السكتة والتزمت الصمت. بل إن الأطراف التي كانت تهمس في الماضي بانحياز المؤسسة العسكرية لطرف دون طرف، أو مخالفة بعض أفرادها للقانون والأخلاق والمناقبية العسكرية، كانت تُقابل بعاصفة من الانتقاد والهجوم واتهامها بالنيل من كرامة المؤسسة العسكرية، والـتأثير على معنويات العسكريين التي تعد خطاً أحمر يحظر المساس به أو الاقتراب منه. فحسب هؤلاء، إن أي خطأ يصدر من جانب أفراد في المؤسسة العسكرية تتم معالجته ضمن أروقة هذه المؤسسة بعيداً عن وسائل الإعلام. وعلى هذا الأساس حاول وزير الداخلية قبل أشهر إهمال التعذيب الذي مارسته بعض عناصر القوى الأمنية بحق مساجين في سجن رومية، لولا شريط مصور كشف عن هذه الجريمة، فاضطر الوزير للإقرار بما حصل ووعد بإجراء تحقيق علني لم نسمع بتفاصيله حتى يومنا هذا. القاعدة المتبعة إذاً، هي أن كرامة العسكريين ومعنوياتهم أمر جلل، لا يجب التساهل معه أياً كان الفعل الذي ارتكبه العسكريون، لكن يبدو أن هذه القاعدة لا تشمل جميع اللبنانيين. فمن الواضح أن انتقاد المؤسسة العسكرية محظور على فئة من اللبنانيين ومسموح لغيرهم، وهو التبرير المنطقي الوحيد إزاء صمت المؤسسة العسكرية ووسائل الإعلام والطبقة السياسية على ما تتعرض له هذه المؤسسة من اتهام وتجريح وتهديد من جانب العماد ميشال عون وفريقه السياسي. يدرك جميع اللبنانيين أن التوازنات السياسية والطائفية والاستحقاقات الانتخابية المنتظرة ربما تؤثر على تصرفات بعض القوى والشخصيات وربما الضباط المرشحين لمناصب كبيرة. وليس سراً أن قائد الجيش العماد جان قهوجي أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية في ظل الخلاف المستحكم بين فريقي 8 و14 آذار. كما يدرك الجميع أن بعض كبار ضباط الجيش مازالوا يدينون بالولاء للعماد ميشال عون الذي كان قبل ربع قرن قائداً لهم. لكن ذلك لا يبرر صمت المؤسسة العسكرية إزاء ما تتعرض له من جانب عون وتياره، وعدم تعاملها معه كما سبق وتعاملت في حالات مشابهة من حزم وقوة، ولا يبرر كذلك أن تخضع هذه المؤسسة للابتزاز الذي يمارسه عون بحقها فتتساهل، حيث يجب التشدد، وتغض الطرف عن تهديد السلم الأهلي، والمساس بكرامة المؤسسات الدستورية. المؤسسة العسكرية اليوم أمام امتحان إثبات مناقبيتها واستمرارها كمؤسسة وطنية جامعة لكل اللبنانيين. وعلى هذه المؤسسة والقائمين عليها أن يدركوا أن جميع اللبنانيين ينتظرون منها النجاح في الامتحان، فرسوبها ستنعكس آثاره على صورتها وهيبتها ونزاهة قيادتها، وهي بذلك ستؤكد ظنون المشككين بالمؤسسة العسكرية الذين طالما اتهموها بالانحياز، وعدم المساواة في تعاملها بين اللبنانيين.