18 سبتمبر 2025
تسجيللعل أهم مؤشرات فشل نظام ما بعد 30 يونيو في مصر إخفاقه في معالجة اعتصام رابعة العدوية بالوسائل السياسية والاستعاضة عن ذلك بهجوم مسلح فاق في همجيته، همجية التتار والمغول.. الصحافة العالمية هي التي وصفت ما حدث في رابعة العدوية وهي في خضم الصدمة والذهول بـ(هجوم مسلح على معتصمي مصر) وربما كان ذلك أخف وصف لما حدث.. صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية ذائعة الصيت، نقلت عن امرأة عجوز تعرضت لإطلاق الرصاص الحي، قولها: (ساعدنا يا الله، فنحن غير مسلحين).. مجزرة رابعة العدوية فعلها الجنرال عبدالفتاح السيسي، كما لم يفعل العقيد القذافي سفاح ليبيا ولا حتى الجنرال اوغوستو بينوشيه سفاح الأرجنتين ولا بول بوت زعيم الخمير الحُمر.. في سويعات قليلة سقط أكثر من (2200) مصري مضرجين بدمائهم في ميادين مصر أول حقول الموت وهذا ليس إحصاء المستشفيات الميدانية فحسب، بل إن تقارير لوكالة الأنباء الأوروبية تحدثت عن سقوط آلاف الضحايا.. الصور التليفزيونية وهي لا تكذب أظهرت وجود قناصين على البنايات المحيطة بميدان رابعة العدوية قاموا بإطلاق النار، وقد كانت معظم الإصابات في مناطق قاتلة من الجسد.. لم أصدق عيني تلك الصورة التي حمل فيها أحد الأشخاص مخ أحد الضحايا في كفه والضحية جثة هامدة فقد اصطادته طلقة متفجرة في رأسه؟! ما هو الفرق بين الجنرال بشار الأسد في سوريا وبين الفريق عبدالفتاح السيسي في مصر؟. عشر منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، حذرت من انزلاق مصر نحو حرب أهلية.. المنظمات طالبت حكومة السيسي بحماية حقوق الإنسان والحريات العامة، وحماية كافة المتظاهرين بغض النظر عن توجهاتهم ومواقفهم، ووقف حملات الاعتقال والملاحقة على خلفيات سياسية خارج نطاق القانون. لو كانت مياه نيل مصر مدادا لكلمات الإدانة المستحقة في شأن مجزرة الجنرال عبدالفتاح السيسي، لما كفتها من فرط بشاعة ما اغترفته أيدي القوات الأمنية التي تلوثت بالدماء البريئة.. لقد كانت معركة طرفاها مصر ضد مصر، هجوم مسلح شنه المسؤولون عن حماية المواطنين (الشرطة والأمن) على المواطنين أنفسهم، كم هزتني كلمات الكاتب المصري المخضرم فهمي هويدي الذي كتب بعد المجزرة يقول بأسى بالغ: (وقع المحظور وانطلقت شرارة الحرب الأهلية، وقتل المصريون مصريين آخرين حتى غرق الفضاء المصري في بحر من الدم.. إذن (عنف رسمي مقنن + حالة الطوارئ = حرب أهلية لا تبقي ولا تذر). نعم مصر اليوم عبارة عن مشهد درامي ليس حزيناً فحسب بل مرعباً؛ إنها دراما سوداء.. رئيس شرعي ومنتخب مُودعٌ في غياهب السجون مع عتاة المجرمين، ونائب رئيس وخزه ضميره فقدم استقالته مخلياً مسؤوليته مما حدث.. رغم المآخذ على محمد البرادعي إلا أنه لا يمكن تجاوز موقفه الشجاع بتقديم استقالته من حكومة مشكوك في شرعيتها.. الرجل أرجع استقالته المدوية، لأنه كان يرى أن هناك بدائل سلمية إلا أن الأمور سارت إلى ما سارت إليه.. سمعنا العالم (الحر) و(الديمقراطي) و(الليبرالي) يطالب السيسي (بحنية) بعدم استخدام القوة المفرطة ويدعو الفرقاء للحوار!! إن كيل العالم الغربي بأكثر من كيل بشأن الديمقراطية جعلها تبدو كمفهوم هلامي بيد أن هلامية مفهوم الديمقراطية أمر يبدو أنه مقصود في حد ذاته بغرض ذر الرماد على العيون وإتاحة هامش من المرونة يمكّن من الاستخدام السياسي لهذا المفهوم عند الحاجة فتصبح الديمقراطية سيفا مشرعا في وجه القوى المتمردة على النظام الدولي الجديد والنازعة إلى المضي في طريق الإسلام السياسي كامل الدسم.