20 سبتمبر 2025

تسجيل

ما الذي يجري فعلا في الأسواق المالية؟

17 أغسطس 2011

تسقط الأسواق المالية العالمية بسرعة كبيرة ويكاد لا يسلم منها أي سوق أو حتى أي سهم من الشركات الأساسية. هل يوجد خلل في النظام الرأسمالي العالمي؟ في مبادئه وتطبيقه؟ ما الذي يحصل فعلا وهل له أي علاقة بأزمة 2007 \\ 2008 وما تبعها؟ هل أن تصنيف شركة "ستاندرد أند بورز" هو السبب؟ لماذا كل هذا الخوف أو القلق الذي يظهره المستثمرون في الأسواق الأمريكية والدولية؟ ما هي علاقة الاقتصاد الحقيقي بالمالي وهل التأثير بالاتجاهين؟ ما هي السياسات الاقتصادية التي يمكن أن تطبق في هذه الظروف وما هو مدى فعاليتها؟ ما هي الوسائل الأكثر فعالية للتأثير على الأسواق؟ أولا: عند سقوط حائط برلين في سنة 1989، تبين للجميع أن الرأسمالية انتصرت على الأنظمة الأخرى وفي مقدمها الشيوعية. أما اليوم فالنظام الرأسمالي يتعذب ويتألم، وهنالك عدة أسباب له. من أهمها أن النظام أصبح معقدا أكثر فأكثر بمؤسساته وقوانينه وأدواته وخصائصه، وبالتالي أصبح صعبا ضبط إيقاعه رغم محاولات الجميع عبر صندوق النقد والدول السبع أو العشرين الكبرى. يحتاج النظام الرأسمالي إلى منافس كي يستمر صحيا، وهذا ما فقده عندما زالت الشيوعية الاقتصادية. يعاني النظام الرأسمالي اليوم كثيرا من اتساع الشرخ بين الأغنياء والفقراء بعد أن تأثرت سلبا أوضاع الطبقات الوسطى في كل الدول. لمواجهة هذا الخلل أو المأزق، لا بد مع الوقت من خلق نظام ليبيرالي جديد إنساني يعتمد مبادئ المنافسة الحرة لكنه يحترم حقوق الضعفاء. ثانيا: الأزمة الحالية مختلفة جدا عن أزمة 2008 التي كانت مصادرها مصرفية وإقراضية عبر أسعار العقارات. أما الأزمة الحالية، فتنبع من تراكم حجم الديون العامة في الولايات المتحدة أولا وأوروبا ثانيا وبقية العالم ثالثا. الأزمة الأولى خلقت الكثير من القلق والخوف عند المستثمرين وبالتالي تراكمت المشاكل التي لم تجد حلولا لها. عندما عجزت الدول عن إيجاد الحلول للدين العام آخرها مهزلة الصراع على المصالح بين الإدارة الأميركية والكونغرس، لم يعد للمستثمر ما يأمله من السياسيين الذين أظهروا عجزا في تحمل المسؤولية. يمكن أن يطيح هذا الواقع بحظوظ الرئيس أوباما في التجديد السنة المقبلة. ثالثا: تأثرت صدقية "ستاندرد أند بورز" سلبا بأزمة 2008 كغيرها من شركات التصنيف التي أعطت علامات عالية لمصارف أفلست بعد أيام وأسابيع. لذا لا يمكن للتصنيف الأخير أن يحدث أزمة في الأسواق، بل إن تراكم المشاكل وسوء المعالجة مع تصنيف سلبي أو غير سلبي كان سيؤدي بطريقة أو أخرى في وقت أو آخر للنتائج نفسها. كان تصنيف الشركة انذارا، بل تنبيها لما يمكن أن يحصل إذا لم تتم المعالجات بالشكل الصحيح. ما المطلوب؟ تخفيض الإنفاق وزيادة الإيرادات أي الضرائب وليس الأول فقط كما حصل عبر اتفاقية واشنطن في 1\\8\\2011. رابعا: هنالك واقع جديد وهو أن الأسواق المالية تنهار بينما الاقتصاد الحقيقي ينمو، وما مؤشرات البطالة في الولايات المتحدة إلا لتؤكد على حسن سير الأمور. تحصل الأزمة المالية الحالية رغم إيجابيات السوق الحقيقية، وهذا خطير إذ يشير إلى الفسخ الكامل بين القطاعين. لذا المطلوب إصلاحات في العمق لم تحصل بعد، بسبب المصالح والفساد وسوء الرؤية، تؤدي إلى عودة القطاع المالي إلى لعب الدور الذي خلق من أجله وهو الوسيط بين صاحب المال أي المدخر والمستثمر. لا حياة لسوق مالية تعمل من تلقاء نفسها ولا تخدم فعلا وواقعا الاقتصاد الحقيقي. يجب إزالة صفة "الكازينو" عن الأسواق المالية الدولية الحالية والعودة إلى منطق العلاقة الصحية بين المال والقطاعات الإنتاجية. خامسا: المؤسف في الظروف الحالية هو عدم استطاعة السياسات الاقتصادية العادية معالجة المشاكل. فالسياسة المالية مقيدة بسبب العجز وتراكم الديون. أما السياسة النقدية، فاستنزفت وسائلها، إذ أن الفوائد متدنية جدا كما تعمل المصارف المركزية على شراء السندات في الأسواق لزيادة حجم الكتلة النقدية. هنالك قيود واقعية بالنسبة لقدرة وزارات المال والمصارف المركزية على معالجة الأزمة بل مواجهتها. سادسا: ما هي الحلول الممكنة؟ رغم سقوط الأسواق المالية، هنالك طلب على سندات الخزينة الأمريكية كما على الذهب وبعض العملات كالفرنك السويسري. فالثقة في مستقبل أمريكا وقدرتها على تسديد ديونها ما زالت إذا موجودة. فالمستثمر يريد الوقاية وحماية نفسه من المخاطر الكبيرة، وهنا يكمن دور الذهب. المطلوب أن يطمئن المستثمر ويعود إلى السوق وهذا يفرض على السلطات الرسمية من سياسية أولا واقتصادية ثانيا أن تقوم بدورها المسؤول في معالجة الأزمات وليس تأجيلها. فهل من يسمع أو يهتم؟